على بعد أكثر من 2000 كم من فلسطين المحتلة، قرر أنصار الله فرض حضر بحري على الكيان بعد الحضر الجوي المستمر منذ أكثر من عام، جاء هذا القرار بالتزامن مع مفاوضات النووي وجولة ترامب في ممالك الرمال، كردا صاعقا على خطط تحويل غزة الى حالة أمنية تعالج بعربات جدعون أو ريفيرا ترامب، جاء أيضا بعد الاتفاق اليمني الأمريكي كتأكيد لتحدي أنصار الله للوجود الأمريكي في المنطقة، فهذا الاتفاق لن يلغي ذاك الاسناد، وبهذا أثبت اليمنيون أن رأسهم بين أكتافهم وأعصابهم باردة ولحمهم مر.
منع الملاحة على ميناء حيفا خطوة استراتيجية بالغة الأهمية إذ تُثَبِّتُ محور المقاومة على خطه الراسخ وتقضي على ما تبقى من أوهام من ضن أن المحور انتهى باستشهاد سيد المقاومة، ومثلما اختل الميزان لصالح غزة بعد فتح جبهة الاسناد بقراره، فان اليمن يواصل على نفس النهج بفرض معادلة السيد ويعزز وحدة الساحات، ويرسخ توازن الردع والرعب، أي اعتداء على جزء من المحور يُقابَل بتحرك في ساحات أخرى. وتتحول المعركة من مواجهة محدودة كما أرادتها حكومة الكيان بالاستفراد بغزة إلى صراع متعدد الجبهات يتجاوز جغرافيا غزة حتى البحر الأحمر وباب المندب ثم يرتد الى البحر الأبيض المتوسط ورئتي الكيان فيه: ميناء حيفا، ليصبح هذا الأخير ساحة قتال ضارية بعد استمرار استهداف سفن الشحن المرتبطة بالكيان أو المتجهة نحو موانئه عبر البحر الأحمر، هذا القرار الذي جاء أيضا بالتزامن مع خروج حامله الطائرات الامريكيه “يو اس هاري ترومان” من المنطقه بدون وجود اي خطة لاستبدالها، يعني أن الكيان صار خارج الحماية أو على الأقل مؤقتا..
فرض اليمن تدويل معركة غزة عبر دفع شركات الشحن الدولية الى تغيير مساراتها أو تعليق عملياتها مما جعل هذه المواجهة تتجاوز الاطار الإقليمي، وفتح الآن الجبهة البحرية ليربك الكيان ويفرض تعطيل حركة التجارة البحرية بكلفة اقتصادية ثقيلة على حكومة العدو. فمن ناحية استراتيجية ميناء حيفا هو بوابة الاسواق الأوروبية ويعتبر محطه مهمة في مشروع الممر التجاري الرابط بين الهند واوروبا عبر بلاد الشرق الأوسط، فسفن ميناء حيفا تمر بضاعتها بريا عبر السعودية والامارات ثم الأردن وتصل الكيان ثم تواصل الرحلة الى أوروبا، هذا يعني أن الشلل سيصيب أكثر من طرف ولاعب في الإقليم، ويجعل من البحر الأحمر وباب المندب والمتوسط نقاط اشتباك مهمة في صراع أوسع. وبالرغم من عدم امتلاك اليمن لأسطول بحريا تقليدي، إلا أن قدرته على استخدام الطائرات المسيرة والزوارق المفخخة والصواريخ المضادة للسفن جعلت لهجماته تأثيرا فعالا ومخيف.
ميناء حيفا هو الميناء الأكبر والأهم في الأرض المحتلة، ويعتبر من أكبر الموانئ في شرق البحر الأبيض المتوسط من حيث حجم الشحن ومستوى حركة التبادل، وهو يلعب دورًا رئيسيًا في اقتصاد الكيان، وله أهمية أمنية واستراتيجية، فهو يحتضن مرافق عسكرية ومنشآت نفطية، وهو أحد أخطر المنافذ البحرية، اذ يحاذي مصانع للمواد الكيميائية وشركات ضخمة وأيضا قاعدة بولونيوم التي تقع في الجانب الشرقي منه، وهي قاعدة للأسلحة البحرية، وتحتوي على صواريخ برؤوس نووية، وتُعد مقراً للغواصات الحربية المعدّة لحمل صواريخ ذات رؤوس نووية. في الميناء أيضا حوض لتصنيع السفن الحربية المجهزة بأنظمة قتاليه وتقنيه لوجستية متطورة، إضافة لعدد كبير من مصانع الاسمنت وخزانات مصافي النفط.
هل تذكرون كلمة قديس المقاومة، سماحة السيد حين قال في أحد خطبه أمام دهشة الحضور: “نحن نملك سلاح نووي” وكان حينها يقصد ما تملكه حيفا ومينائها؟.. والمقصود أيضا أن المقاومة قادرة على أن تتصدى انطلاقا من هذا الميناء لعدوان الكيان الغاصب وتستخدم أدواته لترتد عليه فحيفا ومينائها برميل من المتفجرات، لذلك دائما ما كنا نؤمن بأن أعظم مدرسة حربية في التاريخ المعاصر هي دون أدنى شك مدرسة سيد المقاومة، رضوان الله عليه.
وبالعودة لميناء حيفا وأهميته، فانه واقعا نقطة ربط حيوية بين ثلاث قارات: أوروبا، آسيا، وأفريقيا، وهو المنفذ الرئيسي لأكثر من نصف تجارة الكيان مع العالم، بحجم تبادل تجاري يتجاوز 180 مليار دولار سنويًا مع 140 دولة حيث يتراوح حجم التبادل فيه ما بين 22 و35 مليون طن من البضائع سنويًا، وفي 2018 وصل الى 29.5 مليون طن من البضائع.
الميناء يعتمد أيضا على حركة مهمة للركاب لا فقط البضائع، ولديه مستودعات تخزين ضخمة ويوفر فرص تشغيلية ضخمة ويدعم الصناعة في الكيان من خلال توفير البضائع والمواد الخام.
شهد الميناء توسعات كبيرة، بما في ذلك إنشاء محطة “باي تيرمينال” القادرة على استقبال سفن حاويات ضخمة بسعة تتجاوز 15,000 حاوية، وتم تشغيل هذه المحطة رسميًا في سبتمبر 2021، وتديرها مجموعة “Shanghai International Port Group” الصينية، وقد تم بيع الميناء في عام 2023 مقابل 1.15 مليار دولار إلى مجموعة تضم شركة “أداني” الهندية وشركة “سديه غادوت” التابعة للكيان، وأهم شركاء الميناء هم الولايات المتحدة: 360,898 شحنة واردة منها، الهند الذي يعتبر شريكًا استراتيجيًا، فعلاوة على التبادل التجاري، هو شريك في إدارة الميناء، ثم الدول الأوروبية وطبعا الدول المطبعة من العرب اذ بلغ اجمالي التبادل التجاري مع الإمارات ومصر والأردن والبحرين والمغرب 367 مليون دولار في يونيو 2024 فقط.
تبلغ الطاقة الاستيعابية لميناء حيفا 1.47 مليون حاوية مكافئة لعشرين قدمًا (TEU). وتبلغ الطاقة الاستيعابية للمرحلة الأولى 1.06 مليون حاوية نمطية سنويا. ويبلغ طول الأرصفة الرئيسية للميناء حوالي 4532 متراً باستثناء الأرصفة البحرية، مع أقصى عمق يبلغ 15.5 متراً.
الميناء محمي بأنظمة دفاع متقدمة مثل “القبة الحديدية” ولكن هل مازال لهذه القبة القدرة والفعالية لمواجهة أي هجوم محتمل من أنصار الله؟..
المؤكد أن الكيان يواجه تحديات غير مسبوقة داخليا وخارجيا، وأن قيادته التي ما انفكت تتجه نحو التصعيد يمكن أن تتسبب في تفجير الوضع على أكثر من جبهة، وصمود اليمن وقراره بالاستمرار في معركة اسناد غزة يشكل كل يوم معادلات جديدة في المنطقة، لم يحسب لها الكيان ولا الأمريكي حساب.
قالها السيد عبد الملك الحوثي في بداية العدوان على غزة: “لن تكونوا وحدكم وسنقاتل معكم ولن نخذلكم ولن نترككم” وها هو اليمن يفي بوعده ويثبت على عهده ويسير على خطى سيد الوعد الصادق.
هند يحي/ تونس 🇹🇳