“وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ” قرآن كريم.
تبيّن الخيط الأبيض من الخيط الأسود ببركة الطوفان.
هذا التباين وهذا التبيّن يفتح على تبيين مفيد خلال المرحلة القادمة. في النهاية المعركة معركة وعي وما لم يتحقّق نصر في مستوى الوعي لا يتحقّق النّصر سلاحا أو ميدانا. كيف يكون جحود مع يقين؟ لأنّ الإنسان يتشكّل من أبعاد عدّة. فكرة أنّه يميل إلى الحقّ إذا ظهر له هذا الحقّ وبان فكرة نسبيّة جدّا. من هو عميل مثلا ألا يُدرك عندما يختلي بنفسه أنّه عميل؟ بلى هو يُدرك ولكن ماذا لو نظرنا في كسبه من العمالة. يكون قد كسب بالعمالة مالا ووجاهة وموقعا ومرموقين وشبكة علاقات. كلّ هذا يفرض عليه جحودا وهو مُدرك لليقين بل لكلّ اليقين. الذي أنفق نصف قرن من عمره مثلا مناضلا مُؤدلجا مراهنا على حزب أو حركة سياسة أو رؤية أو مشروعا، هل تراه مُستعدّا بعد كلّ هذه السنين أن يقرّ بأنّه كان يلاحق سرابا؟ هو أيضا بينه وبين نفسه قد يقول أنّ ما مضى فيه بكلّ الحماسة لم يكن إلّا سرابا ولكنّ الأثمان التي قد يدفع باهضة جدّا وفوق التحمّل. مسكين الإنسان. مسكين لأنّه كائن برقي رعدي عاصفي إعصاري طوفاني. كائن ممزّق تتقاذفه الأمواج. هو سفينة لا عاصم لها في بحر القدرة. انظروا إلى حال دائرة الإسلام الأولى قبل انتقال الرسول وبعده. الذي يسلك على هدي من اليقين أي على تجلّي الحقّ نادر قليل. واحد كالجولاني مثلا هل من العسير تعريفه وحسم ما يمضي فيه. لا، البتّة. أمور الرّجل واضحة جدّا وضوح الشمس. أين المشكل؟ المشكل في المناطات الأخرى وهي مناطات لا علاقة لها بتعريف شخصية وحسم خطّ واستشراف وجهة. عندما يستقبل بن سلمان ترامب ألا يعلم أنّ الرّئيس الأمريكي كلب ابن كلب وأنّه جشع ناهب مال؟ يعلم ذلك تماما وأكثر. أين المشكل؟ هل تنتظرون من بن سلمان أن يفرّط في عرشه وأن يذكّر بجرائمه ويحاسب عليها من أجل الحقّ واليقين؟ لذلك فالظاهرة اليمنية ظاهرة مُحرجة لنا جميعا. ماذا لو نظر المرء في وجهه بمرآة اليمن واليمنيين خصوصا إذا كان من أهل السياسة والسلطان العرب؟ سيكون أمام خيارين: إمّا يلعن اليوم الذي ولدته فيه أمّه أو يكسّر المرآة اليمنية. يتصرّف وكأنّه لا يمن ولا يمنيين. إذا كسّر المرآة واصل سيره راضيا عن نفسه. إذا أبقى على المرآة خسر نفسه. في كلّ زمن حجّة على النّاس والحجّة اليوم على العرب والمسلمين هي اليمن. غزّة أيضا حجّة ولكنّ غزّة حجّة على قلوبنا. اليمن حجّة على عقولنا. نسأل مع غزّة: كيف يُفعل كلّ هذا في الغزاويين؟ اليمن حجّة على عقولنا: لماذا ونحن أقدر من اليمنيين لا نفعل ما يفعلون؟ صلّ وصم وحجّ واعتمر وتصدّق وأخرج زكاتك. تقبّل الله ولكن كلّ الدّين اليوم وكلّ الله بين غزّة وصعدة.
الهذيلي منصر
