في زمن غاب فيه الوعي، واستحكمت فيه أغلال التبعية، وباتت الأمة الإسلامية نهبًا لمشاريع الهيمنة والاستكبار، انطلقت صرخةُ الحق من أعالي جبال صعدة، تُعيد تشكيل الوعي الجمعي، وتُبعث الروح في جسد الأمة المنهك. كانت تلك الصرخة التي أطلقها الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي أكثر من مجرد كلمات، لقد كانت انقلابًا في المفاهيم، وثورةً في الوعي، وإعلانًا لمرحلة تاريخية جديدة.
الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام
لم تكن هذه الصرخة عبارةً حماسية، بل كانت مشروعًا تحرريًا متكاملًا، يُعبّر عن رفضٍ صريح لكل أشكال التبعية والارتهان، ويؤسّس لمرحلة من الصمود والمواجهة، لا تبدأ من البندقية فقط، بل من الكلمة، من الوعي، من إعادة تعريف العدو والصديق.
صرخة في وجه الصمت العربي
في الوقت الذي كانت فيه الأنظمة العربية تتسابق إلى التطبيع والانبطاح، وتُسلّم مفاتيح القرار للبيت الأبيض، جاء صوت الشهيد القائد ليوقظ الضمير العربي ويعيد توجيه البوصلة. لم تكن الصرخة ضد دولة أو مذهب، بل كانت صرخة ضد الاستكبار بجميع أشكاله، وضد الظلم بكل تجلياته.
فبينما كانت بعض المنابر تتحدث عن السلام مع الكيان الغاصب، كان السيد حسين بدر الدين الحوثي يزرع في قلوب المؤمنين بذور الرفض والثبات. وبينما كانت الفضائيات الممولة تُجمّل صورة العدو، كان هو يُعرّيها، بكلمة تُشبه الرصاص، ووعي يفضح المستور.
من وعي إلى مواجهة… ومن شعار إلى سلاح
لم تمضِ سنوات حتى بدأت آثار تلك الصرخة تظهر في الواقع. تحوّل الوعي إلى ميدان، والشعار إلى فعل، والكلمة إلى رصاصة. حمل المجاهدون صرخة السيد، وساروا بها في دروب المقاومة، حتى وصلت أصداؤها إلى البحر الأحمر، وجبال الجليل، وسهول الجولان.
اليمن اليوم، وبفضل المشروع القرآني، أضحت رأس حربة في جبهة الأمة، تقارع أمريكا وإسرائيل في آن واحد.
من السماء إلى البحر، من الجبهة الداخلية إلى العمق الاستراتيجي للعدو، من التصريحات السياسية إلى المعارك النفسية والإعلامية… كل ذلك كان نتيجة زرعٍ مباركٍ بدأ بالصرخة، ونما على تربة الإيمان، وسُقي بدماء الشهداء.
إذلال الاستكبار ثمرة نضوج الصرخة
حين تعجز أمريكا بكل تحالفاتها عن تحييد طائرة مسيّرة يمنية، وحين تغرق حاملات الطائرات في قلقٍ من صاروخ يمني، وحين يُفرض الحصار على الموانئ المحتلة بقرار من صنعاء، فإننا أمام واقع جديد تؤكد فيه الصرخة أنها لم تكن مجرد شعار… بل كانت وعدًا.
لقد أذلّت الصرخة أمريكا، لا بسلاح متطور، بل بوعي صادق، وعقيدة متجذّرة، ورجال لا يعرفون الانكسار. إنّها صرخة خرجت من قلب مظلوم، فتحوّلت إلى بركان في وجه الظالم، فأحدثت انقلابًا في موازين الصراع، لا في اليمن فحسب، بل في كامل محور المقاومة.
صرخة لكل الأزمنة
الصرخة لم تكن لحظةً عابرة، بل مشروعًا متجددًا، يتناسب مع كل مرحلة من مراحل المواجهة. واليوم، ومع دخول الأمة مرحلة كبرى من التحديات، نجد أن أصداء هذه الصرخة تتردّد في العراق، وفي لبنان، وفي فلسطين، وفي كل بقعة يعلو فيها صوت الحق.
فالصرخة لا تزال تُربك العدو، وتُوقظ الوعي، وتُوحد الصف، وتُعطي للشعوب عنوانًا واضحًا في معركتها: أمريكا هي العدو، وإسرائيل رأس الحربة.
ها هي الأمة اليوم تجني ثمار الصرخة. صمود، كرامة، انتصارات، ووعيٌ شعبيٌّ يتعاظم. من قال إن الكلمة لا تهزم الإمبراطوريات؟ من قال إن الشعوب لا تصنع المعجزات؟
لقد علمتنا الصرخة أن البداية الصحيحة لا تحتاج إلى قنبلة، بل إلى صدق. وأن المقاومة تبدأ من الوعي، وتنتهي بالنصر.
ولذا… ستظل صرختنا باقية، تهز عروش الطغاة، وتبني جبهة الأحرار
بقلم أم هاشم الجنيد