يطلّ علينا يوميًا “إعلاميون” و”محللون سياسيون” في الوطن العربي، وخاصة في لبنان، ينحذرون من خلفيات مشبوهة، يشددون على ضرورة نزع سلاح حزب الله، ويتم ذلك بطرق مباشرة وغير مباشرة. وعندما يتابع المشاهد اللبناني أو العربي هذه الدعوات، يكاد يشعر للحظة أنه إذا تم ذلك، ستصبح لبنان كسويسرا، وسيعمّ السلام المنطقةَ، لا بل العالمَ بأسره! وتزداد وتيرة هذه المطالبات بنزع السلاح مع الزيارات المتكررة للصهيونية العقائدية التي تُدعى “أورتاغوس”، واجتماعاتها مع مسؤولين لبنانيين.

كم هو ساذج من يعتقد أن المدعوة “أورتاغوس” هدفها من زيارة لبنان هو نشر السلام في المنطقة! فكل تحركات الأمريكي في منطقتنا مسخّرة فقط لخدمة الصهيوني. هذه الأورتاغوس هدفها الوحيد من هذه اللقاءات والزيارات والاجتماعات هو واحد: نزع سلاح حزب الله، الذي هو أكثر ما يقلق الصهيوني، حيث لم يستطع الأخير التقدم في الجنوب اللبناني أكثر من ثلاثة كيلومترات بفضل هذا السلاح ومن يحمله من أبطال المقاومة اللبنانية.

المستفيد الأول والأخير من نزع سلاح المقاومة هو الصهيوني، ولا يخفى علينا أن العدو الصهيوني يحمل فكرًا توسعيًا. فلننظر إلى حالنا الآن، ونتخيّل ما سيكون عليه حالنا بعد نزع سلاح حزب الله. فهل من المبالغة، أو ضربٍ من الخيال، أن نتوقع أن يمضي العدو الصهيوني قُدمًا في احتلال لبنان من شمالها إلى جنوبها؟!

ألا يحتلّ الصهيوني الآن أجزاءً من أراضينا السورية، ويمضي قُدمًا نحو دمشق دون مبرر أو مواجهة رادعة، بعدما تم تدمير قدرات الجيش العربي السوري العسكرية؟ وقد تم ذلك بعد نجاح خطته التي اعتمد فيها على الجماعات الإرهابية الطائفية، التي تقوم اليوم بقتل مدنيين عزّل، وتقتل من سلّم سلاحه من أبناء الجيش العربي السوري. وها هي “الحكومة السورية الجديدة”، المستأسدة على الأقليات في سورية، تلجأ إلى الأمم المتحدة لتطرح مظلمتها من الصهيوني، في محاولة لحفظ شيء من ماء الوجه بعد هذا السكوت المقرف عن اعتداءاته. لكن ماذا ستجني من هذه الخطوة؟! هل أعطيت “السلطة الفلسطينية” مترًا واحدًا بالقرارات الدولية الصادرة منذ عقود؟!

في حال قام حزب الله بتسليم سلاحه — وهذا غير وارد في قاموس ومفردات حركات المقاومة والتحرر — من سيحمي لبنان من شر الصهيوني الفاشي؟! هل وعود والتزامات وضمانات الأيدولوجية “أورتاغوس” ستفعل ذلك؟!

وعلى صعيد آخر، في ظل ما تحققه خطة الصهيوني من نجاحات في إثارة النعرات الطائفية في منطقتنا، ما هو مصير أبناء حزب الله دون سلاح؟! وما نراه في سورية من استهداف للأقليات لأسباب طائفية أكبر دليل، إذ إن هذه الجماعات تواصل تهديدها ووعيدها لحزب الله وكل من لا ينتمي لطائفتهم، أو بمعنى أعمق، كل من لا ينتمي للصهيونية..

وللتذكير فقط، بعد خروج منظمة التحرير من لبنان عام 1982، لماذا؟ بقي الصهيوني محتلًا للبنان طوال هذه الفترة؟ ومن أخرجه عام 2000 إن لم تكن المقاومة اللبنانية، وعلى رأسها حزب الله؟

ومن ينظر إلى منطقتنا والعالم وما يحدث فيهما من انتهاكات صهيوأمريكية متعجرفة، غير مكترثة بالقرارات الدولية، ويدرك ما تخفيه وتظهره هذه المنظومة الصهيوأمريكية من عداء عقائدي لمنطقتنا وشعوبها، يعي تمامًا أن تسليم السلاح يعني الانتحارلا لحزب الله وحده، بل لكل لبناني، وإن تم ذلك، فسيُشكّل ضربةً قاضيةً للأمن القومي العربي.

ونستذكر من لا يغيب عن قلب كلّ حرّ وشريف، قائدَ الأمّة الشهيد على طريق القدس، السيّد حسن نصر الله، حين قال:

هذه التجربة تقول: إن كنتَ ضعيفًا لا يعترف بك العالم، ولا يدافع عنك، ولا يبكي عليك. الذي يحميك هو قوّتك، وشجاعتك، وقبضاتك، وسلاحك، وصواريخك، وحضورك في الميدان. فإن كنتَ قويًّا، تفرض احترامك على العالم.”

فكيف يُمكن نزع سلاحٍ سُخّر من أجل فلسطين والقدس وأطفال غزّة ولبنان؟ وسُخّر أيضًا رفضًا للهيمنة الأمريكية على المنطقة؟ وكيف يُمكن نزع سلاحٍ استُشهد سماحة السيّد وهو متمسّك به على طريق القدس؟ و هنا لا أحاول إثارة العواطف، فمعيار فلسطين ليس فقط أخلاقيًا أو وطنيًا أو دينيًا أو وجدانيًا فقط،حيث الكيان الصهيوني يشكّل خطرًا وجوديًا على المنطقة، والإمبريالية الأمريكية المتوحّشة تشكّل خطرًا على البشرية. وليس من باب الشعر أو البلاغة، أن يختزل المثقّف اللبناني الراحل الدكتور سماح إدريس كلّ قراءاته وكتاباته ومحاضراته بهذه المقولة:
إذا تخلّينا عن فلسطين، تخلّينا عن أنفسنا.”

تتزامن مطالبات نزع سلاح حزب الله – من قبل الأبواق العميلة، التي أتى أسلافها فوق دبابات صهيونية إلى لبنان – مع مطالبات نزع سلاح المقاومة الفلسطينية في غزة من قبل “سلطة أوسلو”، ويتزامن ذلك أيضًا مع الضغوط الأمريكية على الملف النووي الإيراني، والتحرّكات المشبوهة في اليمن ضد أنصار الله بدعم سعودي-إماراتي-أمريكي، والقصف الصهيوني المستمر على مقدّرات الجيش العربي السوري. فهل إن تمّ تسليم السلاح، سترشّ علينا “إسرائيل” ماء الورد؟!أو ستسقي الإمبريالية حينها شعوب منطقتنا نعناع الخلود؟!

نختم بما قاله الشاعر العربي الكبير مظفّر النواب:

“شرعوا يعترفون بقاتلهم
وكأنّ جراحك أعذار
كذا فيهم يا عبد الله
فأنت الحيّ الباقي القهّار
أُقتل دونك… أفديك
ولكنّي أتمنّى أن تُقتل مرفوع الهامة
لم يتزحزح فيك قرار
النار قرارٌ منك وليس قرارًا فيك
فأنت النار… وأنت قرار النار…
إن سلّمتَ سلاحك سافل
وأنا سافل
وعشاء الليل البارد
والماء، وفجر اليوم القادم… سافل”ما يؤخذ بالقوّة، لا يُسترجع إلا بالقوّة…
بالإرهاب
بقطع اللوز الصهيونية…


أبو الأمير – القدس