عدوان صهيوني موصوف بكل ما تحمله الكلمة من معنى طال مبنى سكنيًا في محلة الجاموس في الضاحية الجنوبية لبيروت، وهو المبنى الذي يقطنه مواطنون مدنيون ويقع في أسفله ومحيطه مبانٍ خدماتية مدنية من مدارس ومراكز صحية واجتماعية ومحلات تجارية وغيرها، وهذا ما يدلّ على أن العدو الصهيوني يذهب بعيدًا في عملية القتل المتعمد للسكان الآمنين والتدمير الممنهج للأعيان المدنية من الجنوب إلى البقاع إلى الضاحية الجنوبية من دون أيّ رادع.
هذا العدوان على الضاحية يكشف عن الوجه الحقيقي للاحتلال الصهيوني ونهجه التصعيدي تجاه لبنان، حيث يأتي في إطار حلقة جديدة من سلسلة الانتهاكات الصهيونية المستمرة، إلا أنه يُعدّ الأول من نوعه الذي يستهدف الضاحية الجنوبية منذ وقف العدوان الصهيوني الواسع على لبنان في 27 تشرين الثاني/نوفمبر 2024.
وشهدت المنطقة المستهدفة، قبل الغارة، تحليقًا مكثفًا للطيران المسيّر الصهيوني على علوٍ منخفض، في استعراض واضح يهدف إلى بث الرعب بين الأهالي وإيصال رسالة تهديد جديدة، لكن الإرادة الشعبية في المنطقة كانت أقوى من هذا الاستفزاز.
ففي حين ظن العدو الغاشم أن مثل هذه العمليات العدوانية يمكن أن تنال من عزيمة السكان أو تزعزع استقرار الضاحية الجنوبية، كان المشهد على الأرض على النقيض تمامًا؛ فقد بدت الحياة اليومية في المنطقة أكثر تماسكًا من أي وقت مضى، في تحدٍّ واضح للآلة العسكرية “الإسرائيلية”.
استمرار الحياة… رسالة تحدٍّ
ورغم العدوان، تبقى الحياة في الضاحية الجنوبية نابضة بروح المقاومة والصمود. فعلى بعد أمتار من المبنى المستهدف، فتحت المحال التجارية أبوابها بشكل اعتيادي، وعاد المواطنون إلى مزاولة أعمالهم، في رسالة تحدٍّ مباشرة للاحتلال. في شوارع المنطقة، كان المشهد لافتاً؛ أطفال يلهون غير مكترثين بصوت الطائرات، وعمال بناء يواصلون عملهم في مواقع قريبة، غير عابئين بما يحاول العدو ترسيخه من أجواء ترهيب.
وفي أحد المقاهي الشعبية القريبة من مكان الاعتداء، يجتمع الشباب كما جرت العادة، يتبادلون أطراف الحديث والتحليلات حول المستجدات السياسية والأمنية، مستنكرين العدوان لكنهم في الوقت ذاته يؤكدون أن هذه الضربات لن تنال من عزيمتهم.
يقول الحاج أبو مصطفى، أحد سكان المنطقة: “هذه ليست المرة الأولى التي نحاول فيها التعايش مع تهديدات الاحتلال، ولن تكون الأخيرة. نحن هنا باقون، ولن نتراجع. كل اعتداء يزيدنا قوة وصلابة، ويؤكد لنا أن خيار المقاومة هو الطريق الوحيد لحماية كرامتنا”.
ففي الوقت الذي حاول فيه العدو فرض حالة من الهلع، أتت ردود الأفعال الشعبية لتؤكد أن إرادة الحياة أقوى من أي تهديد. فالضاحية التي لطالما كانت رمزًا للمقاومة، تعود اليوم لتثبت من جديد أنها عصية على الانكسار، وأن شعبها الذي ذاق مرارة الحروب والاعتداءات قد تحصّن بالإرادة والإيمان بحقه في الحياة.