لم يكن سقوط سوريا مجرد حدث عابر، بل كان تتويجا لمخطط طويل الأمد يهدف إلى تفكيك إحدى آخر القلاع التي دعمت المقاومة ضد الاحتلال الصهيوني وغيره. ما قبل سقوط الدولة، كانت سوريا رغم كل التحديات والعقوبات والضغوط الدولية، دولة ذات سيادة، ترفض الخضوع للأجندات الغربية، وتدعم حركات التحرر، وتغلق أبوابها أمام الفكر الوهابي التكفيري الذي لطالما كان أداةً بيد الاستعمار. لكن بعد الانهيار، تبدلت الموازين، وسقطت البلاد في فخ أكبر عملية احتلال غير معلن، فتغيرت الهوية، وانقلبت التحالفات، وسُمح للمحتلين الجدد بإعادة رسم الخارطة الديموغرافية والفكرية للبلاد.
جنوب سوريا… احتلال بصمت. بعد سقوط الدولة، فتحت الأبواب أمام الاحتلال متعدد الأوجه: الأمريكي في الشرق، التركي في الشمال، والصهيوني في الجنوب. لم يعد احتلال الجولان أمرًا يُناقش، بل امتد النفوذ الصهيوني إلى العمق السوري، ليشمل أجزاءً واسعة من درعا والقنيطرة واجزاء من ريف دمشق الغربي، حيث أصبحت المنطقة خاضعة لرقابة مباشرة من الاستخبارات الإسرائيلية. اليوم، تتحدث التقارير عن عودة اليهود إلى سوريا، ليس فقط كعملاء يعملون في الخفاء، بل بصفة رسمية، تحت غطاء “إعادة ترميم الكنيس اليهودي” في دمشق، واستعادة أملاك اليهود الذين غادروا سوريا قبل عقود. خلال الزيارة، قرأوا من التلمود ومارسوا طقوسهم في الكنيس.
المحفل الماسوني يعود إلى دمشق! لم يكن السماح بعودة اليهود وحده كافيًا، بل عاد المحفل الماسوني ليجد له موطئ قدم في سوريا التي لطالما حاربت هذه التنظيمات المشبوهة. الأبواب التي كانت مغلقة لعقود فُتحت، وبات للماسونية تأثير في إعادة تشكيل الحياة السياسية والثقافية، متغلغلة في مؤسسات الدولة التي أعيد بناؤها لتناسب أجندات القوى الغربية والصهيونية.
الوهابية تحكم سوريا الجديدة! في مفارقة تاريخية لا تقل خطورة عن الاحتلال المباشر، تحولت سوريا من دولة كان يغلب فيها الفكر السني الأشعري المعتدل، إلى ساحة تحكمها الوهابية المتطرفة. فبعدما كانت كتب وفتاوى ابن تيمية وابن عبد الوهاب محظورة لعقود، عادت اليوم لتُباع بحرية، وافتُتحت المؤسسات التي تحمل أسماء رموز الوهابية المتطرفين كالأعور الدجال ابن باز، في محاولة واضحة لطمس الهوية الإسلامية السورية واستبدالها بالفكر التكفيري.
لم يعد هناك مكان للاعتدال، ولم يعد لأهل السنة الحقيقيين وجود، فقد أصبح كل من يخالف الفكر الوهابي مهددًا بالإقصاء أو القتل، سواء كان أشعريًا، ماتريديًا، صوفيًا، أو شيعيًا. تحولت الحرب من “ثورة” ضد النظام إلى معركة طائفية بامتياز، تهدف إلى تصفية كل من يرفض الهيمنة الفكرية الوهابية.
حرب التجويع والغلاء… عقاب جماعي للشعب السوري لم تتوقف المؤامرة عند تغيير الفكر والديموغرافيا، بل امتدت إلى معيشة الناس. الغلاء الفاحش في الأسعار، انقطاع الرواتب، نقص الغذاء والدواء، وتحول سوريا إلى ساحة مفتوحة للمافيات الاقتصادية التي تتحكم بمصير الشعب. بعد كل هذه التضحيات، لم تعد الثورة تعني شيئًا سوى تجويع الناس وتحويلهم إلى متسولين في وطنهم. من يرفع صوته للمطالبة بالعيش الكريم يُتهم بالعمالة أو يختفي في ظروف غامضة أو ملقى على أحد الأرصفة كجثة هامدة.
“حرية الثورة”… حرية شتم الرئيس الأسد فقط! الحرية التي وعدوا بها الشعب السوري لم تكن سوى حرية واحدة: شتم الرئيس الأسد! بعد أن قاد الأسد حربًا طويلة ضد قوى الكفر والاستعمار، وبعد أن صمد في وجه أعتى المؤامرات، تحولت “الحرية” في سوريا إلى مجرد السماح للناس بإهانته بينما يُمنع عليهم الاعتراض على الاحتلال، التجويع، والنهب الذي تتعرض له بلادهم. هل هذه هي الثورة؟ هل هذه هي الحرية التي زعموها؟ أم أن الحقيقة أصبحت أوضح من أن تُخفى؟
من دعم المقاومة إلى قتالها! قبل سقوط الدولة، كانت سوريا إحدى أبرز الدول الداعمة للمقاومة، وكانت تصدح بصوتها في وجه الاحتلال، أما اليوم فقد أصبحت من أكثر الدول تطرفًا وعداءً لكل من يرفع السلاح في وجه المحتل. لم تعد القضية الفلسطينية أولوية، ولم يعد هناك حديث عن تحرير الجولان، بل باتت الأولوية تصفية كل من ينادي بالمقاومة.
خاتمة: سوريا الجديدة… دولة بلا هوية ولا سيادة
اليوم، وبعد كل هذه التغيرات، لم تعد سوريا دولة ذات سيادة، ولم تعد سوريا التي عرفناها. بل أصبحت كيانًا ممزقًا تحكمه الميليشيات الإرهابية، وتسيّره القوى الأجنبية، وتسوده الطائفية والفكر الوهابي التكفيري. ما حدث لم يكن مجرد “ثورة” ولا “حربًا أهلية”، بل كان مخططًا محكمًا نجح في تحقيق أهدافه، إلا أن المقاومة لم تمت، وما زالت هناك قوى ترفض الاستسلام لهذا الواقع الجديد، وما زالت هناك فرصة لاستعادة سوريا من براثن الوهابية والصهيونية معًا.
مقالة مختارة من موقع المقاومة الشعبية السورية – “بقلم سيادة الرائد “خالد” القيادي في المقاومة الشعبية السورية“