النفوس مكلومة، والأكباد تحترق بسعير الحزن المتدفق دماً معبراً عن امتزاجك في كل قطرة من قطراته، ودموعاً حراء ظلت منذ السابع والعشرين من أيلول، يوم الفقد والفاجعة، يوم المصاب الحسيني مجدداً؛ ظلت تختط تراتيل عشقنا لك على وجوهنا، وترتل نبضات كل خافقٍ كان لك مثوى، بعد انتشالك له من درك الهزيمة، وتحليقك به في سماوات العزة والنصر…
سيدي: كيف لقلوبٍ تعلقت بك، ونفوسٍ استظلت بظلك لأكثر من ثلاثة عقود، وأنت تهديها النصر بعد النصر، وترفع قدرها، وتحيي ذكرها، وتخرجها من ضعفها وذلها وهوانها إلى عالمك الذي لم يكن إلا قوة وعزة وشجاعة ووعي وبصيرة وعلم ومعرفة وصبر واستعداد للتضحية، وتواضع وقرب من المستضضعفين وعمل من أجلهم ليلَ نهار؛ أن تقف اليوم حولك وأنت مسجى في النعش أمام ناظريها؟! كيف لها أن تحملك نعشاً إلى مثواك الأخير وأنت مَن حملها على كتفيه أربعين سنة، في طريق إيصالها ألى سدرة منتهى الغلبة والتمكين؟! كيف لها أن تحتمل مجرد التفكير بمسألة مواراتك الثرى نهيك عن القيام بذلك، وأنت الحق كله، والرسالة المحمدية التي تمشي على الأرض، كتجسيد حي لحقيقة هذا الدين، وفي واقع كله زيف وانحراف وتحريف؟!
ألى يعلمون أنك ذلك الرجل الذي خرج من قرية صغيرة في جنوب لبنان، فواجه منظومة الاستكبار العالمية وحقّق الانتصارات في وجهها مثبتاً أن الإرادة الصلبة والمقاومة الواعية قادرتان على تغيير معادلات القوة في العالم؟!
ألى يدركون أنك القائد العربي المسلم الوحيد الذي رفع لواء الحق في زمنٍ ساد فيه الخنوع، فأعاد إلى الشعوب المظلومة الأمل بأن التحرر ليس مجرد حلم، بل خيار واقعي؟!
فليس ثمة قائد حدّث العالم بصوت المظلومين، فكان صدى قضاياهم، ورمزاً للصمود أمام كل محاولات الاستعباد والهيمنة سواك! وأنت وحدك الذي لن نُفلح في منع قلوبنا من الخفقان بشدّة والدمع من القفز من مآقي عيوننا كلما أتينا على ذكره، وأنت وحدك ذلك الرجل العظيم الذي نسج علاقة خاصة مع كلّ واحدٍ من الأحرار أينما كان!
ولكنْ عزاؤنا أنك سيدي ذلك النموذج الذي ظهر كصدى لتلك الصرخة الأولى التي دوّت في عاشوراء، يحمل إرث الحسين على كتفيه، وكلما برز طاغوت يتهدد وجود الأمة، ويسعى لاستعباد الإنسان، وقفت بوجهه وكأنك في ليلة عاشورائه، حاملاً روحية أصحابه، مردداً كلماتهم بكل يقين: “ما تركتك يا حسين” والحسين بالنسبة لك سيدي هو كل مظلوم في العالم، لذلك كنت وحدك نصر الله.
وعزاؤنا كذلك أنك علمتنا: أن كربلاء لم تنتهِ، بل امتدت كخط دموي يربط الماضي بالحاضر، صراع لا يزال قائمًا بين الدم والسيف، بين الحق والباطل. وكما انتصر دم الحسين ذات ظهيرة، سيبقى هذا الدم يسقي جذور الحرية حتى يسقط آخر شيطان بشري.
مجاهد الصريمي
