مقال منشور في جريدة البناء اللبنانية
مثل الطوفان جاء اختيار السنوار
نقاط على الحروف
ناصر قنديل
هو قرار مثل الطوفان من خارج المتوقع والمألوف، إجماع مؤسسات حركة حماس على اختيار القائد يحيى السنوار خلفاً للرئيس الشهيد القائد إسماعيل هنية، والتوأمة بين الطوفان والسنوار تسبق هذا القرار، لكنَّ هذا القرار يؤكد أنَّ قيادة الحركة المتعددة الأطياف امتلكت الذكاء الاستراتيجي الجماعي لتقديم جوابٍ عقابيِّ لكيانِ الاحتلال ورئيسِ حكومتِه بنيامين نتنياهو على قرار اغتيال الزعيم التاريخي الثاني للحركة الذي مثَّله إسماعيل هنية، بفتح الطريق أمام الزعيم التاريخي الثالث يحيي السنوار، قائد معركتي سيف القدس وطوفان الأقصى، وقطعت بذلك الطريق في حال أي اختيارٍ آخر على فتح الباب للتلاعب بوحدتها الداخلية والحديث عن اعتدالٍ وتطرفٍ، وترصيدِ الاغتيال بميزان تقييم الخليفة.
قالت حماس غي اختيار السنوار ما قاله الشعب الفلسطيني وفقاً لما يثبته أداء الشعب المظلوم المكلوم في غزة من ثبات وصمود، أو ما تقوله استطلاعات الرأي في غزة والضفة الغربية حول الموقف من طوفان الأقصى بعد عشرة شهور من الطوفان، عن بقاء أغلبيةٍ كاسحةٍ من الفلسطينيين على الاعتقاد بأن الطوفان أكبر إنجازٍ وطنيٍّ في التاريخ الفلسطيني، منع تصفية القضية وأعاد إليها وهجها واستعاد لها مكانتها المتقدمة غير القابلة للتجاهل على المستوى الدولي، وجاء قرار حماس بتطويب السنوار زعيماً للحركة تصويتاً على هذا الإجماع الشعبي الفلسطيني وراء الطوفان، فالطوفان والسنوار صنوان.
قالت حماس بقرارها أن رئاستها ليست منصباً سياسياً سلطوياً ولا هي تعبير عن صراعات مراكز نفوذ ومواقع قوة أو امتداد لعلاقات خارجية، بل هي ترجمة لصورة مرحلة من مراحل النضال الوطني الفلسطيني، تراها الحركة من موقعها القيادي لحركة التحرر الوطني في حرب التحرير التي يخوضها الفلسطينيون، مرحلة لا مكان فيها سياسياً ودبلوماسياً وإعلامياً الا للمقاومة، التي تحملها الحركة في اسمها، وجسدها سلوك قادتها التاريخيين الذين قضوا شهداء، والمقاومة اليوم لها رمز في الحركة وعنوان في مسيرتها، هو الطوفان والسنوار معاً، ويجب أن تمنح هذه المرحلة عبر رمزية التلازم بين الطوفان والسنوار، الفرص التي تمكنها من الانتقال بالشعب الفلسطيني من مرحلة إلى مرحلة، دون الإفساح في المجال للتأويلات السياسية للاختيار بصور تسبب الالتباسات حول فهم جوهر الخيارات، ولا ينتج عنها إلا التشويش على الحركة وإضعاف فرصها في رسم المستقبل، فكان القرار واضحاً في تجسيده لخيار المقاومة بوضوح التصاق اسم السنوار بالطوفان.
قالت حماس في قرارها أن حماس تقف اليوم في مكان لا يحتمل مدَّ الخطوط والخيوط، بما كان يتناسب مع مراحل يطغى عليها العمل السياسي، وينصرف خلالها العمل المقاوم للعمل السري إعداداً و استعداداً لمنازلةٍ كبرى كتلك التي افتتحها الطوفان، وهذا يعني أن موقع حماس اليوم هو في مقدمة خندق المقاومة التي يتلاقى حولها محورٌ يضم دولاً وحركات مقاومة، تريد حماس أن توجه لها رسالة قوة وتمسك وتماسك، بأن الأولوية في تحديد موقع حماس في الإقليم تقررها مواقف الأطراف في المنطقة دولاً وحركات سياسية من المقاومة كخيارٍ ومن الطوفان كحدثٍ كبيرٍ ومن السنوار كقائدٍ يرمز إلى أمرين، المقاومة والطوفان، وهذا يترجمه منح خيار التموضع الكامل الواضح في خندق محور المقاومة كل الفرص اللازمة لتحقيق أعلى حصادٍ ممكن ومتوقع، الرمزية هنا لها معناها بتتويج السنوار عنواناً بالإجماع لخيارات حماس.
طوفانٌ ثانٍ يبدأ اليوم مع تنصيب السنوار قائداً تاريخياً للمشروع الوطني الفلسطيني، في زمنٍ لا تحتاج فيه حركة مقاومة صادقة ومخلصة مثل حماس إلى ازدواج في السلطة بين من يملك القرار في زمن الحرب ومن يتصدر الصورة السياسية، وطالما أن التفاوض ووقف النار وتكتيكات الحرب عند السنوار، فما معنى أن يكون سواه في صدارة الصورة السياسية، وإن احتاج الأمر لوجستياً لمساهمة الخارج، ذلك أن الآليات التنظيمية تتيح لرئيس الحركة وزعيمها تكليف معاونين ونواب له، يتولون أداء المهام الخارجية التي تعوض غياب رئيس الحركة عن الخارج، لكن على قاعدة التطابق بين القرار الميداني الذي يشكل اليوم أكثر من ثلاثة أرباع تقدير الموقف فيه، ما يقوله الذين يتولون تحمل أعباء قيادة الميدان، ويتحول فيه السياسيون والاعلاميون ولو في مواقع قيادية إلى مستشارين أو معاونين، وهذا التواضع في مقاربة المسؤولية من رموز قيادية في الحركة عبر تقديم أولوية المصلحة العليا على مكانة الأفراد ورمزية عناوينهم، تعبيرٌعن أصالةٍ ورفعةٍ في تكوين الحركة يحسب لها في اتخاذ مثل هذا القرار التاريخي بالإجماع.
الأكيد أن روح الشهيد القائد إسماعيل هنية كانت حاضرة وصوتت لخيار السنوار، وأن الآخرين استحضروا روحه واستفتوا رأيها ونصيحتها كما كانوا يفعلون في مواجهة قراراتٍ مصيريةٍ واستأنسوا بنصيحة هنية بأن لا يكون ثمة تردد في منح التصويت بالإجماع للسنوار.
ناصر قنديل-بيروت