– في حالة مزارع شبعا، لم يعُد النقاش بالحجج الإسرائيلية المتداولة بين عامي 2000 و2006، سواء الحديث عن توثيق لبنانية المزارع وانتظار موقف سورية والمطالبة بترسيم الحدود اللبنانية السورية، أو الحديث عن مرجعية القرار الأممي 425 الذي يتسم بالإطلاق بدعوته للانسحاب من الأراضي اللبنانية المحتلة حتى الحدود الدولية، وليس الأراضي التي تمّ احتلالها عام صدور القرار بعد حرب 1978 فقط، أو القرار 242 الذي يقول الإسرائيليون إنه مرجعية وضع المزارع، وهم بذلك لا يدّعون أنّها أرض فلسطينية خضعت لهم في العام 1948، بل يقرّون بأنها أرض تمّ احتلالها مع احتلال الجولان السوري عام 1967. وهذا مخالف لواقع أن المزارع تعرّضت للتوسع الإسرائيلي التدريجي بين الأعوام 1968 و1989، حيث تمّ احتلال آخر مزرعة وهي مزرعة بسطرة عام 1989.
– من دون الانتقاص من إيجابيات زيارة النائب السابق وليد جنبلاط إلى سورية، ودورها في فتح قنوات الاتصال بين الدولة اللبنانية والحكم الجديد في سورية تفرضه الجغرافيا والمصالح المشتركة، ويفرضه الحرص على قطع الطريق على أي إشكاليّات أمنية تؤذي البلدين معاً، شكلت التصريحات الصادرة خلال الزيارة حول مزارع شبعا اللبنانية المحتلة موضوعاً طغى على الزيارة نفسها في إثارة النقاش.
– لسنا هنا لنقاش ما أراده جنبلاط وخلفيات تصريحاته، فهو أقدر على شرح أسبابه ورؤيته، وما يعنينا هو توضيح ما يتصل بقضية مزارع شبعا سواء لجهة هويتها، أو لجهة مرجعيتها القانونية في القرارات الأممية ذات الصلة بالأراضي المحتلة بعد الحديث عن القرار 242 كمرجع بديل للقرار 425، وصولاً إلى اعتبار أمرها مؤجّلاً في أحسن الأحوال، خاصة مع خطورة أن يؤدي التأجيل وربطها بهوية سورية لا لبنانية، ربطاً بالجولان المحتل مرتين، مرة بالقرار 242 المنسي أصلاً والمفروض إسرائيلياً بالمطلق، ومرة بالقول إنّها سورية في ظل إعلان الحكم الجديد في سورية عن عدم القدرة على فتح ملفات النزاع مع الاحتلال، سواء ما يتصل بالتوغل الجديد أو ما يتصل بالجولان المحتل خصوصاً، بحيث تصبح الهوية السورية للمزارع مجرد محطة لإلحاقها بقرار الضم الإسرائيليّ للجولان.
– من زاوية المرجعية القانونية للمزارع نحتاج قبل الإدلاء بأي موقف، وهذا يشمل المسؤولين الحكوميين والسياسيين، إعادة قراءة متمعنة وهادئة للقرار 1701، خصوصاً أن كل المشتغلين في المعاهدات الدبلوماسية والقرارات الصادرة عن مجلس الأمن الدولي، والقانون الدولي، يعلمون أن كل نص يعالج مسألة في قرار أمميّ سبق وتمّ تناولها في قرارات سابقة، فإن النص الأخير يكون هو النص الحاكم، إذا تمّ ذكرها بالاسم في المرتين السابقة واللاحقة، أما إذا كان الذكر بالاسم قد تم في القرار السابق وبقي الاستنتاج لصلتها بالقرار اللاحق مجرد استنتاج فإن النص السابق يكون حاكماً، أما إذا كان العكس أي أن التسمية لم ترد إلا في القرار اللاحق، فإن هذا النص يصبح بمقام حكم مبرم لا جدال فيه، لكون النص الأخير من جهة، ولتضمنه التسمية الصريحة من جهة موازية.
– عندما ذكرت مزارع شبعا بالاسم في القرار 1701 وهي لم تذكر بالاسم لا في القرار 425 ولا في القرار 242 فإن مرجعيتها القانونية تصبح نص القرار 1701، وينتهي النقاش حكماً في تحديد مرجعيتها القانونية، وعندما يصفها القرار 1701 بالمناطق المتنازع عليها، لا يعود هناك مبرّر لنقاش حول لبنانية المزارع وما إذا كانت سورية رغم نصّ القرار على الدعوة إلى ترسيم الحدود تمهيداً للمطالبة بتقديم مقترح خاص من الأمين العام للأمم المتحدة لفض النزاع حولها، لأنه لم يرد في توصيف القرار 1701 أنّها موضوع نزاع لبناني سوري يحتاج إلى الحسم عبر ترسيم الحدود، بل هي مناطق متنازع عليها بين لبنان و”إسرائيل”، ليس لجهة الملكية كحال مناطق أخرى متنازع عليها على الحدود، بل لجهة أحقية السيادة الأمنية عليها، وهنا يقرر القرار 1701 بالنص الواضح، تكليف الأمين العام للأمم المتحدة بالقيام بمساعٍ بين الطرفين المعنيين، لبنان و”إسرائيل”، والأطراف الدولية الرئيسية المعنية بالقرار، ليقوم الأمين العام بتقديم مقترح لحل النزاع خلال ثلاثين يوماً، والأمين العام يستطيع أن يقدم مقترحاً بأولوية ترسيم الحدود بين لبنان وسورية، كما يتحدث بعض اللبنانيين، لكنه يستطيع أيضاً الاطلاع على وثائق الدولتين اللبنانية والسورية وسماع الرأي الإسرائيلي وبناء مقترح مختلف. وإذا علمنا بالفعل أن الأمين العام السابق بان كي مون قد فعل ذلك عام 2007 وأنه حسم الجدل وقدّم بناء على كل مشاوراته مقترحاً يقضي بوضع المزارع عهدة وأمانة تحت سيادة اليونيفيل الى حين تطبيق القرار 242، حيث يتقرر ضمها الى السيادة اللبنانية أو السيادة السورية، ولكن بالتأكيد ليس للسيطرة الإسرائيلية.
– لم يعُد للسياسيين اللبنانيين ولا للمسؤولين الحكوميين اللبنانيين حق الإدلاء بأي اجتهاد يطال مصير مزارع شبعا بعد القرار 1701 ومقترح الأمين العام للأمم المتحدة، الذي يدعو لإتاحة حرية التنقل منها وإليها لأصحاب الملكيات اللبنانيين، تحت سيادة أممية بعد الانسحاب الإسرائيلي منها. وطالما أن لبنان الرسمي والسياسي يؤكد على الالتزام بكل القرارات الدولية وخصوصاً القرار 1701، فإن التمسك بفرض الالتزام الإسرائيلي بمقترح الأمين العام السابق للأمم المتحدة باعتباره تطبيقاً للقرار 1701 هو الخطاب اللبناني الوحيد.
ناصر قنديل