في المشهد السوري الحالي، تظهر معادلة دقيقة تجمع بين الأمل في الحرية والخطر الكامن في تنازع القوى الإقليمية والدولية. قيادة الجولاني لسيارة برفقة وزير الخارجية التركي ومديري مخابرات قطر وتركيا ترسم مشهدا مثيرا، يُبرز تحول سوريا من ساحة مواجهة إلى ساحة اصطفافات، حيث لم تعد هناك مساحات رمادية في رقعة الشطرنج السياسية.

على المستوى الشعبي، يمكن القول إن السوريين نالوا حريتهم من استبداد طويل الأمد (بحسب رأي المناوئين للنظام السوري السابق)، ولكن هل امتلكت سوريا كدولة قرارها الحر؟ الاستقلال الحقيقي يتجاوز إزالة الهيمنة الداخلية، ليشمل التحرر من التسلط الإقليمي والدولي. القرار المستقل هو المعيار الفاصل بين وطن ينهض ومعول يهدم. في حين أن الذهاب نحو تحالفات جديدة مع تركيا وقطر قد يُقرأ كخطوة لفك ارتباط دمشق بمحور المقاومة، وإخضاعها لإملاءات اقليمية يستفيد منها الاقليم والخاسر الاكبر هي سوريا، هذا الذي يجعل من استقلالها السياسي والاقتصادي مجرد سراب.

ما يزيد المشهد تعقيدا هو الدور المتنامي للجولاني. بينما يسعى لتثبيت موقعه كقائد سياسي في المرحلة المقبلة، تبقى التساؤلات قائمة حول طبيعة القرارات التي سيتخذها ومدى مراعاتها لمنطق الدولة، لا منطق الميليشيا أو المناطقية. الدولة الحقيقية ليست “الهيئة” ولا إدلب، بل كيان واحد يجمع بين المصالح الوطنية والاستقلالية في صياغة التحالفات.

ما يحدث في سوريا اليوم يعكس معضلة جوهرية بين البناء والهدم. فبينما يسعى البعض لإعادة بناء الوطن وفق رؤية مستقلة ومتحررة من القيود القديمة، يظهر آخرون كمعاول لهدم فرص النهوض، إما بخضوعهم لإملاءات الخارج أو بتغليب مصالحهم الفئوية. هذا الواقع يفرض على السوريين إدراك أن الحرية الحقيقية ليست شعارا يُرفع، بل مسؤولية تُحمل، وأن بناء الوطن يحتاج إلى إرادة سياسية مستقلة تتجاوز الضغوط وتلتزم بمصلحة الشعب أولا (والذي قام من اجله الربيع العربي المزعوم ^^ الشعب ^^ وليس تغليف المصالح السياسية بحرية الشعب، ودفع الناس للقتال من اجل هذا الغلاف الذي يعتبر حق ولا ننكره أبدا، لكن في سياقه الصحيح)

تحولات دمشق السريعة تؤكد مرة أخرى موقعها الجيوسياسي الحساس. فالجميع يسعى لسحب سوريا إلى مربعات مصالحه، لكنها لن تكسب حريتها الحقيقية إلا إذا أعادت تعريف نفسها كدولة قوية، ذات قرار مستقل، قادرة على استيعاب التغيرات الإقليمية والدولية دون التفريط بسيادتها. تلك هي المفارقة: هل ستصبح سوريا وطنا يبني أم معولا بيد الآخرين؟ الإجابة ستحدد مستقبل هذا البلد الجريح، الذي يقف الآن على مفترق طرق بين النهوض أو الاستمرار في الدوامة

أحمد كمال-القدس