نقل العدوان الصهيوني على طهران وبيروت الحرب في المنطقة إلى مرحلة جديدة ما زالت ملامحها لم تكتمل بعد. ففي انتظار رد إيران وحزب الله على الخرق الفاضح للخطوط الحمراء، تتعالى أصوات قادة الكيان محذّرة من ردّ قوي على العملية الانتقامية المنتظرة من محور المقاومة. وفي ظل غياب أي إشارات جدّية للتهدئة، والاتجاه المتصاعد للأحداث، والتوسّع المتزايد لرقعة الحرب، يبرز السؤال الهام عن مآلات التصعيد الحالي، ومستقبل المنطقة في ظل انسداد أفق الحل.
الأميركي شريك في التصعيد
لا شكّ أن الولايات المتحدة هي الشريك الرئيسي في هذا التصعيد، فالتصريحات الأميركية تبنّت من فورها رواية الاحتلال حول العدوان على مجدل شمس، وبررت قصف العاصمة اللبنانية بحق (إسرائيل) بالدفاع عن نفسها، ثم أعقبت عمليتي اغتيال الشهيدين القائدين إسماعيل هنية وفؤاد شكر بإعلان التزامها الكامل بالدفاع عن الكيان، مستنفرة قواعدها العسكرية وقطعها البحرية في المنطقة للتصدي لأي هجوم محتمل عليه.
والقول بأن نتنياهو خدع الولايات المتحدة وجرّها إلى جولة التصعيد دون موافقتها هو مغالطة كبيرة، فالولايات المتحدة كانت وما زالت تُحكم قبضتها على مفاصل اتخاذ القرار في الكيان، وتمسك بيديها كامل خيوط اللعبة الأمنية والعسكرية فيه. ولكنها خاضت – بالشراكة مع إسرائيل – مقامرة لقلب الطاولة على محور المقاومة، وكسر توازنات الردع التي نشأت في المنطقة منذ حرب تموز 2006، وتعززت خلال معركة طوفان الأقصى.
محور المقاومة يُفشِل المخطط الصهيوني، ويحول التهديد إلى فرصة
بالتزامن مع تنفيذ عدوانه على بيروت وطهران، أراد العدو نزع شرعية الرد من أيدي محور المقاومة للخروج من عدوانه بأقل خسائر ممكنة، فعمد إلى تنفيذ الاعتداء الإجرامي على أهالي مجدل شمس، ليتخذه ذريعة يبرر بها اغتيال الشهيد فؤاد شكر وقصف المباني السكنية في قلب الضاحية الجنوبية لبيروت، وليجعل منه شرارة يشعل بها فتيل فتنة طائفية تكشف ظهر المقاومة الإسلامية في لبنان، أما في إيران فقد قرر اغتيالَ الشهيد إسماعيل هنية عبر عملية أمنية لا عسكرية، كي يُضيع دمَه هدراً، ويعطي ذبابه وبراغيثه على مواقع التواصل الاجتماعي ذريعة لتحميل الجمهورية الإسلامية مسؤولية الاغتيال، فيحرمها بذلك من حق الرد عليه من جهة، ويزرع بذوراً لفتنة طائفية تفكك عرى الارتباط بين قوى محور المقاومة من جهة أخرى، مصيباً عصفورين بحجر واحد.
ولكن حساب الحقل لم يوافق حساب البيدر، فأبناء مجدل شمس الذين راهن عليهم الاحتلال ليكونوا شرارة الفتنة بين إخوة الوطن الواحد، كانوا الجدار الصلب الذي تكسّر عليه مشروعه الفتنويّ، وكان لقادة طائفة الموحدين الدروز السياسيين والروحيين دورٌ رئيسيٌ في كشف مخططات العدو، فدوى صدى عدوانه على بيروت كما يدوي الرعد في سماء صافية، وبدلاً من كشف ظهر المقاومة، التفّ اللبنانيون حولها، وتعالت أصوات مختلف القوى السياسية داعية للرد على العدوان وردع الاحتلال.
وفي إيران كانت المفاجأة الثانية، فخطته لإضاعة دم الشهيد هنية أفشلتها حركة حماس في البيان الأول الذي تلا عملية الاغتيال، معلنة “استشهاد رئيس المكتب السياسي للحركة إثر عملية اغتيال صهيونية في العاصمة الإيرانية طهران”، محملة بذلك الكيان الصهيوني مسؤولية الاغتيال، وقاضية على مشروعه الفتنوي الثاني بضربة واحدة. لتأتي بعدها المفاجأة الثالثة، حين قررت الجمهورية الإسلامية الإيرانية الرد على العملية الأمنية بعمل عسكري، متوعدة الكيان برد قاس ومزلزل على اغتيال ضيفها، قالبةً الطاولة على رأس الكيان وداعميه.
الحرب الكبرى ليست خيار العدو
تشير القراءة الموضوعية لسير الأحداث – والتي قدمنا لها آنفاً – إلى أن الكيان بتصعيده لم يرد الذهاب إلى حرب كبرى، بل أراد تجاوز الخطوط الحمراء التي رسمتها له المقاومة، وإمالة ميزان القوى في المنطقة لصالحه، لتكون يده هي العليا. ولكن ألعابه الصبيانية أوقعته في شر أعماله، فبات اليوم كالولد المشاغب الذي حقّ عليه العقاب، يقف على قدم واحدة ووجهه للحائط، منتظراً معلّمه الذي ذهب ليحضر عصا التأديب. ويبقى السؤال: كيف سيردّ العدو الذي يسمع الآن خطوات المعلّم تقترب إلى غرفة الصف، وبيده العصا التي ستفري جلده؟ هل سيكتفي بالصراخ؟ دعونا لا نستعجل الإجابة، فإنَّ غداً لناظره قريب…
محمد إبراهيم_روسيا