وأنا واقفة أمام البيت والحارة تعج بالدخان والغبار بعد غارة عنيفة، مرّ شابٌ وجهه شاحب. وشعرُه اشتعل فيه شيبُ الغبار، سألني بصوت متصدع : يا أختي هل رأيت صبية عبرت من هنا قبل الغارة؟
في الحقيقة أنا لم أنتبه، أو بالأحرى أنا نزلت من البيت بلا وعي مسرعة بعد الغارة، فمنزل أختي مقابل المنزل المستهدف تماما.
فأجبته معتذرةً: والله يا أخي لم أنتبه!
فأجابني: صبية حنطية عيناها عسليتان، مرت من هنا، ومعها طفلة صغيرة، هل يُعقل أنك لم تنتبهي لهما!
وقبل أن أقترح عليه أن يريني صورتها، فإذا مرت من هنا، طلبت منها انتظاره في البيت، بسرعةٍ مضى والغبار والدخان يتناثران من ملابسه.
دخلتُ المنزل، وأخذت أتفرج من النافذة، سيارات نقل الأمتعة وعربات الدواب في آخر الشارع تنقل الجرحى والشهداء، بعد أن عجزت سيارات الإسعاف الدخول للمنطقة كونها منطقة عمليات، والناس البسطاء يتجمهرون بأياديهم المتعبة يحملون أوجاع الأنقاض، ثم يجمعون بقايا الأشلاء والأسماء.
مر وقتٌ ليس بقصير، وأنا ذاهلة! يا الله.. وبعد ثلاثمائة يوم متى يحين فرجك يا رب.. متى؟ وقد فتت الحزن قلوبنا..
وقبل أن أغلق النافذة.. رأيتُ الفتاة الحسناء التي لم أر صورتها، كانت تحمل طفلتها الصغيرة، وإلى جانبها فتاها الذي ذاب قلقا عليها، كان يلفهما بذراعه ويحمل بيده الأخرى حقيبة الأمتعة، كانا يمشيان بجانب السور المتآكل مسرعين هاربين من رذاذ الموت..
بقيت عيني عليهما تحرسهما بالدعاء حتى انعطفا خارج الزقاق، ابتسمتُ وأنا أغلق نافذتي، يا الله! وكأننا خُلقنا من الحب. فبهذا الحب نحن نحيا وبه نحارب ولأجله نموت.
مريم_قوش
الخميس
٨:٤٠ مساءً
النصيرات.