إذ وصل الثوار إلى الحكم في سوريا، فقد مضى الحديث عن مصداقية الثورة والانقلاب الذي وقع، ولكن ما نراه على الشاشات وعلى وسائل التواصل الاجتماعي من وجوه مألوفةٍ من عهدٍ أسود في المنطقة يثير الكثير من التساؤلات. فهذه الوجوه قد مارست القتل بالحرق وبالسكاكين غير المخصصة للذبح، وأرعبت الناس والأقليات، وهاجمت الإيزيديات وسبتهن وباعتهن كالجواري، وفجرت المدنيين في الأسواق والفنادق في الدول التي أشاعوا فيها الفوضى وكذلك في الدول الآمنة. ولم يفرقوا بين طفل أو شيخ أو امرأة أو رجل، محارب أو مسالم.
أحبُّ في منطق التفكير الذي أتبناه أن أعيد المسائل إلى أولها، كيف بدأت؟ حيث تعود الأمور إلى صورتها البدائية البسيطة المجردة، وبذلك نستطيع إدراك الخلل في الصورة التي نشاهدها. فأتساءل، كيف بدأت هذه الجماعات؟ وكيف بدأت الثورة السورية؟ وهل الحال اليوم مشابه لتلك البدايات؟ أم أن اختراقاً تخلل السرديات والمواقف، وظلَّ الناسُ مندفعين بما هو متاح لهم دون غربلةٍ ورسوخٍ في المبادئ؟
من المعلوم لدينا جميعاً أن هذه الجماعات الإرهابية التي نراها اليوم في سوريا هي فرعٌ من تنظيم القاعدة التابع لطالبان والذي اشتهر بوجه أسامة بن لادن، والذي نذكر تصريحه المشهور عندما رفع سبابته وقال: “والله لن تهنأ أمريكا بالأمن والأمان ما لم نعشه واقعاً في فلسطين”. حتى تدحرجت كرة المواجهة من أفغانستان إلى العراق تحت مسمى داعش، والذي هو اختصار للشعار “الدولة الإسلامية في العراق والشام”! مما يجعل الأمر واضحاً بأن البوصلة قد تغيرت من تهديد الأمريكي بالأمن والأمان ما لم يتحقق واقعاً في فلسطين إلى إقامة دولة إسلامية في الشام والعراق. قد نقول ها هنا بأنهم ربما يريدون ذلك كانطلاقة لمواجهة الأمريكي، ولكننا اليوم نشاهد كيف يسعى هؤلاء إلى مصالحة الأمريكي بعد تولِّيهم سوريا، وينادون أيضاً بأنهم منفتحون للسلام مع كافة الدول، بما فيها “إسرائيل”!
أما الثورة السورية، فلم يكن هؤلاء في الصورة عندما بدأت، وإنما بدأ النداء بالثورة من حقوقيين مدنيين، وأكثرهم من النساء. والآن تغيب صورتهم عن المشهد تماماً، وبعضهم بارك وأثنى على تولي داعش للسلطة. ولا أرى ذلك من باب تغير المواقف، وإنما هو من باب عدم الوضوح في الرؤية، حيث يرى هؤلاء أن إسقاط النظام هو الغاية. وقد بدا ذلك واضحاً بأن خطابهم كان يركز على افتضاح النظام دون وضع تصوُّرٍ للأفكار التي تتبناها الثورة غير كلمة الحرية، والتي تعبر أيضاً عن سقوط النظام فقط. حيث يرى هؤلاء أن النظام هو سجن صيدنايا وفرع فلسطين! في حين لو أنهم وضعوا لثورتهم مبادئ فكرية نخبوية يكتبون فيها تصوراتهم عن سوريا التي يريدون، لكانوا قد حموا ثورتهم من التدخل الداعشي الذي ظهر في سوريا في عمق الأزمة. أو بصورة أوضح، فإن المدنيين من الثوار صرخوا وعبروا عن رفضهم، بينما استغل المسلحون من الدواعش هذا الصراخ وانطلقوا للقضاء على سوريا. ولم يتنصل الثوار من داعش، وإنما استمروا في صراخهم ضد النظام، ولم يفرقوا بين النظام وسوريا. فهناك فرق بين أن تقتلع نظاماً يحكم سوريا، أو أن تقتلع سوريا من جذورها. فأما سوريا فهي حضارة وتاريخ وتنوع بشري مدني معرفي، والنظام نظام يأتي ويمضي بالانقلاب أو بالموت الطبيعي!
إن ملاحظة تغيُّر الوجوه والخطاب الذي بدأت به القاعدة والخطاب الذي بدأت به الثورة السورية تشير إلى أن خطاباً ثالثاً لا ناقة له ولا بعير في أي من الخطابين قد تسرب ودخل بين الخطابين مع الفارق الكبير الشاسع بين خطاب القاعدة والثورة، ولكنه استطاع أن يدخل في المنتصف من خلال الزي الإسلامي الوهابي ومن خلال امتلاكه للسلاح الذي يلبي حاجة السخط على النظام السوري من قبل أصحاب الثورة.
لم أسع في هذه السطور إلى تقييم المواقف وأحقيتها، فهي مسارات تاريخية متدافعة يمكن تمييز ابتداءاتها. إلا أنني لم أجد بداية وسياقاً تاريخياً يتناسب مع خطاب داعش الذي تسلل بين القاعدة والثورة إلا شيئاً واحداً وهو التناسق والحالة الصهيونية. إلا أن الصهيونية كانت قد منعتها أصولها الأوروبية ديانةً وعرقاً من النجاح في التسلل بيننا كعرب ومسلمين. أما كلاهما فقد مارسوا من الأفعال ما لا يقبله أي إنسان. فيظلُّ أن نقول، إن داعش والكيان وجهان لعملة واحدة، وتتفوق داعش على الكيان بالتستر بالعروبة والإسلام… فأنقذوا سوريا.
آدم السرطاوي – كندا