لعل بهذا الاقتباس عن غسان كنفاني نستطيع إيجاز مقدمة فالاسم غسان كنفاني يتجاوز اقتباساً من هُنا أو هُناك فالروايات التي خطها بأشلائه ، والأدب السياسي والفكر من قلمه تجيبه الساعة التي ما زالت تدق بعدما اُغْتِيل.
ولد غسان كنفاني في مدينة عكا بتاريخ 9/4/1936 وعاش بداية طفولته في أزقة الساحل الفلسطيني إلى أن جاءت النكبة وأصبح غسان كنفاني كمثله من أبناء الأرض المحتلة من اللاجئين الذين دفعوا بهم تحت وطأة التهجير القسري والمدفع للهجرة إلى دول الطوق وغيرها من الدول.
غسان كنفاني ليس مجرد اسم عابر أو أديب يكتب دون مبدأ واضح واستعداد كامل للتضحية فكانت رواياته وكذلك مقالاتها في صميم الثقافة العربية والقضية المركزية للأمة ، وهنا نستذكر بأنه انضم إلى حركة القوميين العرب في عمره السابع عشر ، وهذا إن دل فهو دلالة واضحة على عمق الانتماء والإدراك العالي للخطورة ما كانت تعانيه المنطقة بالعموم وفلسطين في صلبها.

غسان كنفاني في الحياة السياسية :
انضم غسان كنفاني إلى حركة القوميين العرب عام 1953 وحينما انبثقت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين عن الحركة ، كان عضو المكتب السياسي وكذلك الناطق الإعلامي باسمها ، وقد عمل على تأسيس مجلة الهدف ، وقد عرف عنه العديد من المقالات التي ترمي إلى طبيعة الصراع وكذلك الدراسات السياسية التي تتجاوز ما يحاول أن يسوقه لنا البعض الآن على أنه كاتب وفقط ، فحين تقرأ رواياته المتعددة والتي منها : رجال في الشمس ، عائد إلى حيفا ، رواية أم سعد وغيرها تجد أنك تقرأ معنى الثورة في أدبيات الإنسان الفلسطيني.

غسان بين الفكرة ورمسنة الرمز :
عندما تقرأ غسان في أدبه وفكره عليك أن تقرأه مرة لتتعرف عليه ثم تعيد القراءة لعلك تدرك معنى ” تسقط الأجساد لا الفكرة ” وكيف تكون عبارة ” بالدم نكتب لفلسطين ” فعلاً ثورياً حقيقياً يجيبنا عنه اغتياله ، وفي رمسنة الرمز يحاول البعض من أصحاب الصحافة الليبرالية أن تصور غسان كنفاني الفكرة كعاشق يكتب رسائل للأديبة أخرى وهذه الرسائل في طبيعتها مكذوبة على لسانه وخيانة للقيمة الأدبية ، وبالإضافة إلى ذلك استخدام غسان كنفاني واسمه للصعود بعض الحركات كمثال : المسار البديل الذي لم يجد شيئاً ليصعد به وينال استحساناً في الأوساط سوى اسم غسان كنفاني ويتعدى بذلك للصعود مستغلا منظمة الجش ومبادئها وهو لا يتجاوز مساراً سوى مسار ليبرالي يعتاش على أموال ومراكز الأبحاث في قطر.
وربما أيضاً ما يلفت النظر في الأونة الأخيرة تأويل اقتباسات لغسان كنفاني على أيدي اليسار الجديد ومن هذه الاقتباسات ” عليك أن تبني في نفسك رجلاً ، لا يحتاج في اليوم الصعب إلى ملجأ ” ولاحظت استبدال مفردة “رجلا ” بمفردة ” شخصاً “، وفي هذا السياق هناك اختلاف في المعنى الأدبي التي كتبت فيه وأيضا ألمس الإختلاف في المعنى اللغوي.

الأم في روايات غسان كنفاني :
كتب غسان كنفاني رواية أم سعد وكذلك عائد إلى حيفا
وفي تلك الروايتين أظهر لنا الأم الفلسطينية التي نذرت رحمها لفلسطين والتي أظهر فيها صلابة تلك الأم ، وفي رواية عائد إلى حيفا أظهر لنا حزن ويأس الأم الفلسطينية بعدما تقطعت بها الأوصال للوصول إلى ابنها ” خلدون” في الرواية ، وبعد سنين من العمر ومحاولات للاجتماع فيه تراه وفي سياق الرواية تدرك بأن خلدون قد مات بعد انضمامه للجيش الكيان وحل مكانه أخيه الفدائي الذي سيعيد الأرض وذلك الطفل.
في الروايتين أظهر الأم الفلسطينية كما نراه بصلابتها وجل المشاعر الإنسانية فيها.

غسان المُلهم :
غسان كنفاني اسمٌ يدق في عقول الأطفال في زمانه فكانت الأغنيات باسمه ” غسان علمنا حب القضية ” وقد استمر غسان كنفاني كعنوان للثقافة حتى حاضرنا ، فمازلنا نستكشف عن غسان من خلال زوجته السيدة آني كنفاني التي لم تفرط بأرثه أو تبيعه وكانت وفية للفكرة ودمه ، وغسان كنفاني الرفيق الذي يتنافس في حبه رفاقه ويتناولون مادته الأدبية في جلساتهم ونقاشاتهم.
غسان وعلى الصعيد الشخصي أدركني منذ نعومة أظافري وكبر معي وقد كان الإلهام لحرفي الأدبي وكذلك في فكري السياسي ومازلت كغيري ممن يدركون هذه الشخصية ويعودوا إليه بين الحين والأخر هذا إن لم يكن حاضراً فينا دوماً ولهُ نقول ” مازال ملء الشمس والإنسان والتاريخ شعبك فانهض إلينا، يا رفيقي أنت تدري كم نحبك”.

اغتياله :
في صباح 8 تموز 1972تم اغتيال غسان كنفاني عن طريق وضع عبوة ناسفة في سيارته وقد قضى مع ابنة اخته لميس ، وفي هذا السياق كان يدرك الإحتلال معنى الوعي الثوري وما شكله كنفاني في مسيرته القصيرة عمراً والعميقة في التجربة والفعل الثوري والأدب المقاوم ، وهذا ما دفع جولدا مائير لقول جملتها الشهيرة ” اليوم تخلصنا من لواء فكري مسلح. “

شكل غسان فكرةً وأدبا وصوتا خالدا على مدى الصراع العربي – الصهيوني ، والتعبير الصريح في صدق الاقتباس ” لا تمت قبل أن تكون ندا” وعليه علينا أن ندرك المفهوم في الفكرة التي أوجدها غسان كنفاني وأن نفهم جيداً الدراسات السياسية التي تركها لنا وكذلك دراسته عن الأدب الصهيوني ، كي ننطلق من الأرضية في إعادة فهم معسكر الأعداء والأصدقاء في ظل هذه المرحلة الصعبة التي يمر بها الوطن العربي والتغيرات العالمية ، وأن ننظر بدراسة معمقة للشخصية غسان كنفاني والمنهج العلمي الذي كان يستند إليه في التحليل وقراءة الوقائع بدلاً من الخطوات التي تبنى على أمال أو قصر في الفهم السياسي.

محمد بربراوي.فلسطين