في الحادي والعشرين من نوفمبر، وبينما كانت الدول الغربية تتلقى ضربة دبلوماسية قاسية مع إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحق حليفها المفضل، بنيامين نتنياهو، لارتكابه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحق سكان غزة الاحرار، كشفت هذه الأحداث عن انحلالها الأخلاقي، وفي الوقت ذاته، جاءتها ضربة عسكرية واستراتيجية كارثية.
في هذا المقال، سنسلط الضوء على هذا التطور العسكري الذي يمكن اعتباره مسمارًا جديدًا في نعش الهيمنة الغربية.
قدمت روسيا صاروخ “أوريشنك” فرط الصوتي، الذي أحدث صدمة في الأوساط العسكرية والجيوسياسية. بمدى يصل إلى 5000 كيلومتر، ورأس حربي تقليدي بقوة تفجيرية تبلغ 150 كيلوطنًا، لا يُعد “أوريشنك” مجرد أداة تكتيكية مدمرة، بل يمثلُ أيضًا إعلانًا جريئًا عن التفوق العسكري والتقني الروسي.
ينطلق “أوريشنك” بسرعة مذهلة تبلغ عشرة أضعاف سرعة الصوت (ماخ 10)، أي ما يعادل 2-3 كيلومترات في الثانية. تجعل هذه السرعة الهائلة أنظمة الدفاع الصاروخي التقليدية لحلف الناتو عديمة الفاعلية، حيث تعجز أنظمة الكشف والاعتراض عن الاستجابة بالسرعة الكافية. أما دقته، التي تصل إلى 50 مترًا، فتضمن دمارًا كارثيًا؛ إذ لا يضرب الصاروخُ هدفَه فحسب، بل يمحوه بالكامل.
نشرُ هذا الصاروخِ يتجاوز كونه مجرد ميزة ميدانية؛ فهو يبعث برسالة استراتيجية واضحة. إنه دليل على أن روسيا تمتلك القدرة على مواجهة الوجود العسكري للناتو وتفوقه في الحروب الحديثة. يمثل “أوريشنك” قفزة نوعية تكشف عن نقاط ضعف الناتو وتجبره على مواجهة حقيقة أنظمة دفاعه المتقادمة.
لقد اعتمدت القوى الغربية على عدوان متقطع وأحيانًا غير مدروس، وهو ما يظهر تناقضًا صارخًا مع دقة وقوة الأفعال الروسية. الفجوة المتزايدة بين الابتكار العسكري الروسي والاستراتيجيات الغربية الراكدة أصبحت حقيقةً لا يمكن إنكارها. ومع ذلك، يواصل الغرب التمسك بوهم قدرته على التصدي لهذه التطورات، رغم الفشل المستمر لمحاولاته.
صرح الرئيس فلاديمير بوتين قائلاً: “نحن نتصرف ردًا على العدوان”، ليؤكد أن أفعال روسيا هي خطوات مدروسة لمواجهة سنوات من التعدي الغربي والعداء المستمر. يُعد “أوريشنك” تجسيدًا لهذه العقيدة، فهو رد على العدوان ورسالة تؤكد استعداد روسيا للدفاع عن سيادتها والحفاظ على تفوقها الاستراتيجي.
جاء إطلاق “أوريشنك” في ظل تصاعد التوترات، عقب الهجمات الصاروخية الفاشلة التي شنتها أوكرانيا على الأراضي الروسية. هذه الهجمات، التي استخدمت فيها أنظمة الصواريخ الأميركية “ATACMS” والبريطانية “Storm Shadow”، تم التصدي لها بسهولة بواسطة الدفاعات الجوية الروسية المتطورة، مما كشف ضعف الأسلحة الغربية أمام الابتكارات الروسية.
وقد كشفت هذه التطورات عن اعتماد الناتو على استراتيجيات قديمة. انسحاب الناتو الأحادي الجانب من معاهدة القوات النووية متوسطة المدى (INF) عام 2019، التي كانت تهدف إلى الحد من انتشار الصواريخ متوسطة المدى، أتاح لروسيا تطوير أسلحة مثل “أوريشنك”. هذا الخطأ الاستراتيجي يعكس ثقةً مفرطة لدى الناتو وعجزه عن التكيف مع التهديدات الحديثة.
إطلاق “أوريشنك” ليس مجرد خطوة عسكرية، بل هو رمز لنهضة روسيا كقوة عالمية. يؤكد هذا التطور التحول في موازين القوى، حيث تتفوق روسيا بابتكاراتها وبوضوح استراتيجياتها على البيروقراطية والانقسامات التي يعاني منها الغرب. وبينما يعيد “أوريشنك” تعريف قواعد الحروب، يتعين على الناتو الآن مواجهة واقع فقدانه للريادة في مجال الابتكار العسكري.
تتجاوز آثار “أوريشنك” قوته التدميرية لتعيد تشكيل ساحات المعركة النفسية والاستراتيجية. بينما يعاني الغرب من الركود والتعثر، تركز روسيا على الدقة والهدف، مما يشير إلى عصر جديد في الحروب العالمية. ومع ارتفاع أسعار الطاقة وتعطل سلاسل التوريد واستمرار الصراع، تتجلى نقاط الضعف الغربية بشكل أكبر. وفي المقابل، تعكس مرونة روسيا وقدرتها على التكيف و تفوقها التكنولوجي إعلانًا عن ريادتها في نظام عالمي سريع التغير.
رندة سيكسيك-أستراليا