يُفَرِّقكم دمُكم وتُوَحِّدنا دماءُ الشهداء، كلما قتَلْتم قائداً يتوالد القادةُ فينا ومنا ، وكلما ارتقى مقاومٌ تتعاظم المقاومةُ وتشتد وتحتدُّ، لتنتصرَ فتنتصر، الرجل فينا تخلَفُه آلافُ الرجالِ، والشبل منا بحجم أعتى الجبالِ، حرائرُنا بالأهازيج تحتضن شهدائَها مع الرضى ووعدِ الحملِ والولادة، ومجاهدونا عشاقٌ للنزالِ و سبّاقون للشهادة.. فمَن مثلنا؟.. ما أجملَنا وما أبهانا.. حزنُنا يشحذُ فينا الهمم ودمعُنا فرج، وكلمةٌ لشهيدٍ منا تنجبُ مليونَ مقاتلٍ، وعهدُ قادتِنا نذرٌ من السماء و وثاقٌ و عبادة،،
ستةٌ و سبعون عاماً مرَّتْ، هل تعرفون عددَ شهدائنا الذين قتلتُم غدراً وجبناً وإثماً؟
نحن نعرفُ الأسماءَ والِسيَرَ والأثر، وأرواحُهم في عهدتِنا وأمانتنا.
هل كانوا مائةً أم ألفين، أو مائةَ ألفٍ، هل هم مليونُ شهيدٍ؟
نحن لا نحصي الدماءَ، بل نرسمُ بها هيبةَ مَن تَسَلَّقَ بسلاحِه السماءَ على حَجرٍ، ونستذكر الأسماءَ كل ليلةٍ ، هنا باقون في أرضنا، والبحر بحرُنا والهواء، ولا تزال من أخيارِنا قوافلُ الشهداء..
كلُّ زيتونةٍ هنا تترنَّمُ بأسماءِ مَنْ سقَوا تُرْبَتها عَبَقَ روحِهم، والأشعارُ نُسِجَت حِبْراً ودَماً ،والأناشيد هللتْ في المساءات قُدَّاساً، أما أنتم فَمَن يَذكرُكم؟؟ لا أحد..
قَتَلْتُمْ غسان كنفاني، فانهمر محمود درويش وأنيس القاسم وعزالدين المناصرة وأحمد دحبور، شلالَ شِعْرٍ ونَثْرٍ ونَقْشٍ للكلماتِ، تزاحمَتْ عليه كلُّ اللغاتِ من مشرقِ الأرضِ إلى مغربِها، وألحاناً من نورٍ وحبورٍ وأناشيدَ تُعَمِّر القلوبَ وتَأْسرُ العقولَ ، وتنشرُ في الكون فلسطينَ وروداً وعطوراً وسناءً..
قَتَلْتُمْ كمال عدوان وكمال ناصر وماجد أبو شرارة وأبو جهاد، فهبَّتْ الضّفةُ حجارةً من نارٍ وسعيرٍ ، وشيّد أطفالُ الحجارةِ حصوناً لاسم فلسطين ،وبلحمهم وحجارةِ أرضِهم فتحوا طريقاً سَيَّارًاً للقدس، من رام الله وبيت لحم وجنين.. وأَهَلَّتْ أَشْرِعَةُ شُهداءِ الأقصى تقويماً لبوصلةِ القدامى تنتقمُ للشهيدِ بألفِ مقاومٍ وشهيدٍ..
قَتَلْتُمْ عباس الموسوي، فأهدى الله وعداً صادقاً للأمةِ، حسنَ الطلعةِ بليغَ الكلامِ ، ناصراً للحقِّ والأرض وَفِيًّاً للعهد ، إماماً للجموع ، وله ألويةٌ كأسراب النسورِ لا تهابُ الموتَ وتلِجُ القتال أنصافَ آلهةٍ ونَصْلَ نِبَال، لها جباهٌ عاليةٌ والنورُ مُحْييها، صِدِّيقون مُخلصون يَحْضنون سيدهم سيرةً وأُسوةً ودِيناً ودَليلاً ، فهل خَلَت الساحةُ أو خفَّ صوتُ المقاومةِ ، أو هل تاهَ الرِّجال؟
بل في كلِّ ساحةٍ ترتفعُ حِبَالُ الأُسُودِ شَدْوَاً وهَدْراً: لبيك لبيك يا سيِّد الزمان.. أجْسادُنا جسرٌ، و لا نهابُ القتالَ فاعبرْ بنا وامْضِ فكما شِئتَ أنتَ نَشَاء،،
قَتَلْتُمْ عماد عقل وفتحي الشقاقي ويحيى عياش والرنتيسي والشيخ ياسين، فأَشْرَقَ السنوارُ وأطلَّ الضّيف ومروان عيسى وبان إسماعيل وتجلّى هنيَّة، فكان النزالُ يليه النزال والقتالُ بالقتال براً وبحراً ، حتى أدْرَكَنَا الطُّوفانُ.. كأنَّنا مليونُ مستحيلٍ.
هند يحي_ 🇹🇳 تونس 🇹🇳