مجدل شمس وضاحية بيروت الجنوبية: الحملة الدعائية الدموية*

من الواضح لدى كل أحد سمع خطاب نتنياهو في الكونغرس في الرابع والعشرين من هذا الشهر، أن الخطابَ كان خطابَ استجداء مزيّنٍ بالتصفيق والشخصيات الغريبة الأطوار، من أناسٍ يبذلون حياتهم وأنفسهم لفكرة “إسرائيل” الكاذبة، ومن مسلمٍ ذا أصولٍ مصرية يبذل نفسه لنتنياهو! بل وكان الظهور الأكثر غرابة هو ظهور رجل الأعمال إيلون ماسك. ولكن، إذا عُرِف السبب بطل العجب. فإننا إن كنا قد شاهدنا نتنياهو في الكونغرس بشخصيته السياسية التي كانت تتحدث عن طلب دعمٍ عسكري استراتيجي، فإننا قد أسأنا فهم المشهد، لأن هذه المحادثات تحدث في لقاءات رسمية معهودة بين الرؤساء. ولكن المشهد كان مختلفاً، حيث أن المشهد بمحتوياته من شخوص ومكان وكلمات وتصفيق، كله كان إعلامياً بحتاً. وعندما وصفت الخطاب بأنه خطاب استجداء، فهذه هي حقيقة الدعايات التي نشاهدها حولنا في كل مكان، هي استجداءٌ لدعوة الناس إلى شراء المنتج أو الفكرة. وليس أدل على ذلك إلا وجود إيلون ماسك، الشخصية المؤثرة رقم واحد في الغرب، فهو من الأثرياء القلة، ويحب متابعة الكاريكاتيرات الشبابية والألعاب الإلكترونية، كما أنه مولع بالعلم والعملات الرقمية وبتدخين المارجوانا، كما أنه مشهور بالتصريحات الغريبة التي تثير الجدل في أوساط الشباب. وإننا أيضاً إذا ما قمنا بتحليل الشخوص الآخرين والمشهد بألوانه وانفعالاته فإننا سنعلم بأن نسبة الحضور السياسي الإستراتيجي في ذلك المشهد لم تكن حاضرة، وإنما هي الدعاية والإعلان.

إلى ماذا كان يدعو نتنياهو وما الذي يحاول استقطابه؟

إنه من الضروري لنا حتى نفهم المساعي الصهيونية وراء كل موقف، أن نفهم الكيفية التي يستثمر فيها الحدث على مستوى الشرق الأوسط على حدة، وعلى مستوى الحليف الغربي على حدة.
بعد ثلاثة أيام من الخطاب الدعائي في الكونغرس، يُطلق صاروخ من القبة الدفاعية في الجولان لينزل صوب ملعبٍ في مجدل شمس، ويرتقي اثنا عشر شهيداً تتراوح أعمارهم ما بين العاشرة والعشرين، فتقوم حبال الإعلام الغربية بالإذاعة فوراً، بأن حزب الله في جنوب لبنان استهدف الأطفال في مجدل شمس، وقام هذه المرة بعرض صورهم وهم أشلاء! مع أن الكيان لم يعرض صور الرضع الذين ادعى بأن المقاومة الفلسطينية قطعت رؤوسهم في السابع من أكتوبر تحت ذريعة حساسية المشهد! فلماذا فقد المشهد حساسيته هذه المرة؟

وفي مساء هذا اليوم، يقوم الكيان بضرب الضاحية الجنوبية في بيروت، معلناً بأنه اغتال القائد العسكري في حزب الله، فؤاد شكر. وبالطبع، لا يستطيع الكيان تأكيد الخبر لأنه وقع في منطقة لا يملك فيها أي تواجدٍ إعلامي، ولكن قناة “العربية” الحليفة للكيان الصهيوني صرحت بالتأكيد على اغتيال القائد حتى تستطيع القنوات الغربية أن تتلقف الخبر. وبالفعل، ذاع الخبر بالتأكيد على اغتياله في كل الحبال الإعلامية الحليفة للعدو بالرغم من نجاة القائد، واستشهاد امرأة مدنية مسنة، وطفلان جميلان، وإصابة عشرة آخرين.

قد تبدو هذه الحوادث متباعدة في المشهد والموقع والحيثيات، ولكن الحقيقة في نظري بأن المشهد واحد، وهي محاولة الحصول على الدعم الأمريكي الكامل في خوض هذه الحرب. فقد حاول نتنياهو في خطابه أن يقول بأن حربه مع أجناد المحور هي حربٌ مع إيران، محاولاً أن يشير إلى أن الحرب دولية بالفعل وتستدعي الدعم الأمريكي، وكل ما تخلل خطابه يدفع بهذا الاتجاه،. أما اعتداء مجدل شمس، فهي رسالة إسرائيلية للجمهور الغربي مفادها بأن السابع من أكتوبر قد تكرر حيث مات الأطفال، وإننا هذه المرة نريد منكم أن تنظروا إلى المشهد بحساسيته. وليؤكد الكيان على رسالة مفادها بأن ردة الفعل لما جرى يجب أن تكون موازية لردة الفعل لما جرى في السابع من أكتوبر-بحسب روايتهم طبعا-، وأن ردة الفعل الموازية تستوجب ثقلاً أمريكياً في الدعم لأن جاهزية حزب الله عالية، وقدراته أعلى، وبعده الإستراتيجي مفتوح، بالإضافة إلى أن الحالة الصهيونية العسكرية متهالكة لا تؤهله لخوض غمار المواجهة وحده، وهو شيء يعرفه الأمريكي حتماً.

ماذا عن خبر اغتيال القائد فؤاد شكر، والذي سارع الكيان بالتأكيد عليه في الأوساط الغربية؟

ما ان انتشر الخبر الكاذب في الأوساط الغربية حتى تلقفه صناع القرار السياسيين الأمريكيين، وعرضوه على منصاتهم بأنهم اليوم اغتالو أحد قادة حزب الله الذين خططوا لتفجير ثكنات المارينز الأمريكية عام 1983 والذي أسفر عن مقتل 241 وإصابة 128 من أفراد الجيش الأمريكي. وذلك يعني في الشارع الأمريكي، بأن أمريكا تملك رصيداً من الثأر يجب تحصيله، وبأن هناك علاقة مباشرة في محاربة الحزب لا تتوسطها إسرائيل، مما يعني أن حرباً أمريكية ضد الحزب هي لأمريكا قبل كل شيء.

فهل كان الكيان يريد حقاً أن يورط نفسه مع قوة حزب الله الضاربة؟! أم أنها محاولةٌ تابعةٌ لسيناريو مرسوم لاستجداء الدعم الأمريكي، ليخلقوا رواية ليتحدث بها الإعلام الأمريكي والغربي حتى تصبح صورة حزب الله مساوية لصورة إيران في الذهن الغربي لتحصل إسرائيل على استحقاق الدعم الكامل؟!

بناءً على ذلك، في نظري، الكيان ينتظر الرد اللبناني واليمني أيضاً، ولعله هذه المرة يفسح مجالاً للرد، ليكون العويل هو الورقة التي يبكي بها الكيان لأمريكا بأن تدخَلي فالأمر لا يحتمل. ويظل السؤال قائماً هل ستتدخل أمريكا؟ ثلاثة أشهر حتى تحسم الإنتخابات الأمريكية أمرها ويكون الجواب حاضراً بحسب المعطيات عندئذٍ.

آدم سرطاوي-كندا