قديما كنا نتقاسم البطانية الصغيرة بشغف طفولي وشغب شتوي جميل، لم أكن أتخيل للحظةٍ أننا سنقسّم هذه البطانية فيما بيننا لنصنع منها الثياب، كنا كمن يقسّم ذاكرته لينسج ثيابا جديدة برائحة الذاكرة، من كان يتخيل أن ذلك سيحدث يومًا؟
حينما كنا صغارا، كانت أمي تضع على أقدامنا جميعنا (البطانية الشتوية)، وكان الكانون أمامنا، نفرك أيدينا، ونجد متعة الحياة في الخبز المحمص على النار، وفي منقوشة الزعتر الساخنة، وفي الشاي الذي تعطّر برائحة الفحم، وفي البرتقال الشهي الذي تقشره أمي بشغف، كنّا نتلقف أحاديث جدتي وهي تدس حبات الكستناء في فم النار، وهي تتحدث عن سندباد الذي ضاع باحثًا عن البلد..
كبرنا وصرنا نتقاسم الحب، ثم جاءت الحرو ب، فصرنا نتقاسم الحب والخوف والحزن والانتظار والصبر،،،
ثم كبرنا أكثر وصغرنا بقدر ما كبرنا، وعدنا مرةً أخرى لكانون الفحم والشاي والخبز والمحمص، وعدنا نذكر بعضنا بحكايات سندباد الذي لم يعد، وبعطر الجدات اللواتي رحلن وفي أعناقهن تمائم البلد،،
كانوا يقولون: النار فاكهة الشتاء، ولكن في الحروب القاسية نحن فاكهة النار! دمنا سر اشتعالها، ولحمنا المتفحم سر دفئها،، وجلودنا سر ديمومتها..
وها نحن في الشتاء تكوّمنا جميعنا حول كانون الموقد، بأيدينا البطانية القديمة نتقاسمها فيما بيننا ونقسّمها أيضًا.. وأنا يوجعني المقص الذي يذبح أطراف الذاكرة.. وحنين القلب إلى الذكريات.
مريم أبو قوش_غزة
٣١. أكتوبر. ٢٠٢٤م.
٢:٠٠ مساء