لا يخفي على أحد أنه لم يكن ردا بل عدوانا واضحا وفاضحا لكيان مهووس بالحرب على دولة مستقلة ذات سيادة ودولة إقليمية. تردد الكيان للمغامرة في سماء إيران، وكل ما دار حوله من عدم رغبة الأمريكي في هذا الرد، أو على الأقل الاكتفاء برد شكلي، وكل ما سُوِّق حول تسريب خطط العدوان للحكومة الإيرانية، واتهام المسؤولة في البنتاقون “آريان طبطبائي” وهي من أصول ايرانية ودفعها لتقديم استقالتها، كل هذا لم يكن الا بمثابة الأفلام الهوليودية التي اعتدناها ومللناها مع الإدارة الأمريكية للحرب المستدامة.
لطالما تباهت حكومة الكيان بامتلاك سلاح الطيران الأقوى في المنطقة وربما في العالم وأنها تتحكم في الأجواء والأنواء، وسط محيط جغراسياسي محروم من أي وسيلة للدفاع عن النفس، ولكن لطالما تعامت على أن من حولها هناك قوى رفضت وترفض أن تكون حلقة ضعيفة تدور في فلكها وفلك صانعها الأمريكي، فبرغم تفوق سلاح التحكم في الجو المزعوم للكيان، الا أنه عجز عن رصد طائرات شراعية حلقت في وضح النهار والسماء صافية في الأجواء الفلسطينية المحتلة ذات طوفان أكتوبر المجيد. ذلك الطوفان الذي تحول الى نذير شؤم على الكيان وإعلان نصر قادم ومحقق للقوى التي ترفض العيش تحت الهيمنة والقهر والظلم، وما عدوان الجمعة 25 أكتوبر على ايران، الا حلقة جديدة من حلقات جنون كيان أعمى يضرب في كل الاتجاهات ويعجز في الأخير عن تحقيق أصغر وأحقر الأهداف، فما أثبتته الدفاعات الجوية الإيرانية المدعومة من حلفائها ليلتها يجعل هذا الهجوم الصهيوامركي عملية فاشلة تضاف الى قائمة الفشل المتتالي لهذا الكيان.
لن يقدر الكيان على جغرافيا ايران ولا على استعدادها للدفاع عن كيانها ووجودها، فحسب خبراء ومحللين، نجاح عملية ضرب أهداف بعينها في جغرافيا ما يتطلب عملية دقيقة من رصد الرادارات واشغالها وتحويل وجهتها ثم المرور للاستهداف بشكل موازي ومنسق ومضبوط، بينما يؤكدون أن الكيان لا يمتلك مثل هذه التكنولوجيا، بل تملكها أمريكا ولن تستخدمها الا في حدود ما ترغب فيه، وأنه لم يكن ببال حكام الكيان أن يتجرأ أحد على تحديه واعتبر أنه القوة الوحيدة الضاربة في المنطقة ولها اليد العليا. فحكومة الحرب في الكيان وضفت ما يقارب المائة طائرة لتنفيذ العدوان على ايران، وكانت تريد أن تنفذ هجوما على مراحل، لتدمير المنشآت الدفاعية الإيرانية ثم المرور الى المواقع العسكرية ومواقع حيوية أخرى. ولكن وحسب المراقبين والمتابعين لم تنجح عمليتها التدميرية ولم تضفر بمنجز يذكر.
وفي تتابع ردود الفعل والتعاليق على هذا العدوان الصهيوني على الجمهورية الإسلامية بإيران، ننقل ما جاء على لسان الدبلوماسي الايراني السابق أمير الموسوي.
اعتبر الموسوي أن هذا الاعتداء الذي استهدف طهران وايلان وخوزستان دون أضرار تذكر ودون التوسع لمحافظات أخرى أو منشآت عسكرية وحيوية إيرانية لم يحقق شيء يجعل الكيان يخرج ضافرا بعده ولا حتى بمنجز صغير. فكل ما ضهر من هذا العدوان على ضآلته هو تلك الصور المفبركة خصيصا لتلك الليلة وعرضت على منصات الجمهور الصهيوني والعربي المتصهين، صور لا تنقل حقيقة العدوان بل تغذي الحملة المعتادة للتضليل الإعلامي وزيف الكيان.
زيادة على أن التهويل الأمريكي منذ مدة وتأكيده على دعم الكيان في كل الأحوال والمواقع، ضهر على أنه مجرد كلام دون أي إستتباعات فعلية على الأرض. خاصة أنه لا يخفى على أحد التسريبات التي تؤكد أن الأمريكيين أبلغوا للصهاينة أن منظومة “شاد”، لا يمكن أن تساعدهم الآن في شيء اذ تحتاج الى أكثر من خمس وأربعين يوما لتصبح جاهزة للتصدي، وربما كان هذا أحد الأسباب التي ردعت الكيان قليلا.
في المقابل أثبت فشل هذا الاعتداء القدرة الفعالة للقبة الحديدية الإيرانية، فهي كانت رادعة وقوية واستطاعت التصدي حتى للأهداف الصغيرة وتسقطها، وهذا يُحْسَب للقوات المسلحة الإيرانية، اذ يصرح الموسوي أنه من هنا فصاعدا ستأتي الطلبات لشراء هذه( القبة الحديدية) الإيرانية التي أظهرت نجاعة ونجاح وجدارة في الرصد والتتبع والتصدي من خلال ليلة العدوان الصهيوني.
ويؤكد الموسوي أن ثقة الشعب الإيراني العالية في قيادته وفي القوات المسلحة الإيرانية تجسدت بشكل مذهل ليلة العدوان، فبمجرد بدء تحليق الطيران الصهيوني، خرج الشعب الايراني الى الشوارع والساحات، وطلع فوق السطوح كتحدي منه لكل من يتجرأ على استباحة الأجواء الإيرانية وسيادة الجمهورية الإسلامية. وبعد نصف ساعة من هذا العدوان انهمر سيل من النكت على منصات التواصل الاجتماعي الإيرانية، وانطلقت موجات الاستهزاء بالكيان وقادته والاستخفاف بما حصل، ومن أبرز هذه النكات، أن الإيرانيين طالبوا حكومتهم بالامتناع عن كل تعليق والاستغناء عن الرد أو التشكي لدى الأمم المتحدة، بل التوجه لأقرب مركز أمن في غرب ايران لتسجيل محضر شكاية فيما حصل.
ويستخلص الموسوي ما حدث فيؤكد أن حقيقة الأوضاع تُظهر بوضوح أنه لا يمكن تجريب ايران واللعب معها في هذا المستوى، وأن هذا الترديد الصهيوني لضرب ايران والذي استمر طويلا، والتصريح بأن الكيان سيغير النظام والمنطقة كاملة وما الى ذلك من تهديد ووعيد، لم يعد ينطلي على أحد، وعلى العالم أن يعي أن القوة الصاعدة للجمهورية الإسلامية الإيرانية لن تتهاون في الدفاع عن سيادتها وسلامة ترابها وأجوائها وشعبها.
إضافة الى أن المتغير الهام الذي فاجئ الكيان الصهيوني قبل الجميع، هي الردود العربية والإقليمية على هذا الاعتداء، فحين تُصدر المملكة العربية السعودية بيانا قويا للتنديد بالاعتداء على ايران، فهذا يثبت فشل السياسة الصهيونية الخارجية ونجاح الدبلوماسية الإيرانية وبراعة الدكتور عراقجي، وزير الخارجية الإيراني، خلال جولته الأخيرة في المنطقة لاقناع الأطراف المعنية بأحقية الموقف الإيراني وصحته، إذ أن عراقجي أبلغ رسائل قوية الى كل الحكومات التي التقى بمسؤوليها، عربية كانت أو غربية، وأكد أن أي اعتداء يطال مواقع استراتيجية إيرانية سيتلقى ردا إيرانيا ساحقا وأن تهور نتنياهو سوف يؤدي بالمنطقة الى الخراب ويضر باستقراها واقتصادها وشعوبها. وقد أثبتت هذه الدول من خلال ردودها بعد العدوان، صدق تفاعلها مع ما جاء على لسان عراقجي، مما يثبت أن هناك فهم إقليمي لخطورة ما يجري في المنطقة وأن على الجميع التصدي له. خاصة أن المشهد العام يوحي بأن المحور الأمريكي الصهيوني مهزوما أمام صمود محور المقاومة وثباته.
إن التاريخ يشهد ويسجل اليوم كيف أن الكيان الصهيوني انهزم أمام صمود وقدرات المقاومة في غزة وجنوب لبنان، وهو يلجئ للتعويض عن فشله وهزيمته النكراء الى ارتكاب المجازر الوحشية ضد المدنيين الأبرياء وتهديم المدن والمستشفيات والملاجئ والبيوت الآمنة، وتدمير البنى التحتية وحصار الأهالي والامعان في تجويعهم وتعذيبهم، وهو دليل إضافي على هزيمته في مواجهاته للقوى الصلبة.
لذا لا بد أن نؤكد في هذه المرحلة على ضرورة التعاضد العربي الإيراني، والتأكيد على لزوم التقارب مع أركان محور المقاومة، لمواجهة هذا السرطان الجاثم على الأرض العربية وهو لن يودي بالمنطقة الا الى الدمار. ورغم التطور الإيجابي الملحوظ في العلاقات العربية الإيرانية فان العمل على مزيد التعاون والتكاتف في مواجهة هذا الكيان يحتاج الى ارادات واضحة وقوية، لأن أي تهديد للجمهورية الإسلامية الإيرانية هو أيضا تهديد للمنطقة العربية واي دمار يمس إيران فهو حتما سيجتاح المنطقة قبلا.
هند يحي_تونس🇹🇳