ما عُزَّ ذو باطلٍ ولو طلع القمرُ من بين عينيه، ولا ذُلَّ ذو حقٍّ ولو اتفق العالم عليه. الحق لا يشبه الباطل وإنما يموَّه بالباطل عند من لا فهم له. لا يكن أفضل ما نلت في نفسك من دنياك بلوغ لذة أو شفاء غيظ، ولكن إطفاء باطل أو إحياء حق. الحق يعلو ولا يُعلى عليه.
لمن وقف على التل ورفع شعار “ما لنا والدخول بين السلاطين” ظن أنها معركة مع محور أو حزب أو تنظيم أو جماعة،
هي معركة التاريخ والوجود بين الحق والباطل وما عليك إلا أن تختار مع من ستحارب ، فالعدو سيقصف آجلاً أو عاجلاً التل الذي تقف عليه وستضطر للنزول منه.
صراعات الحياة كثيرة وأشدها التي تكون بين السلاطين أبناء الارض و قوى الأمر الواقع ، ولابدَّ من وجود الحق مع أحدها والباطل عند الآخرين فالقاعدة تقول ما اختلف اثنان إلا وكان أحدهما على حقٍّ ، وما على الأطراف الأخرى إلا التمييز بينهما ، وهذا أمرٌ ليس بالهيِّن لكنه أمرٌ مهم لتحديد الطرف الذي يراه محقاً فينصره لما يترتب على ذلك الصراع من آثارٍ تعمُّ جميع المحيطين به ،
مابين قمة التل وكهف الجبل موقف وعبرة لمن يعتبر ، كلاهما أصحاب موقف لكن الفرق بينهما كالفرق بين الجنة والنار .
عندما تحجب البصرَ غشاوةٌ تجعل الخُطا متذبذبة لا يميناً ولا شمالاً يحاول الإنسان إيجاد مكان آمن (الحياد)يظنه هو الخيار الأفضل ويغفل عن ضرورة الاختيار الأفضل والتمييز بين الحق والباطل ، فينسج لنفسه بيتاً من خيوط الأفكار الوهمية أوهن من بيت العنكبوت ، وهذا ماحدث في محطات كثيرة عبر التاريخ مع هذه الأمة ، فكان التل موقفهم التاريخي الذي جلب لهم الويلاتِ لأجيالٍ متعاقبة .
أما من كان بصره كالحديد خارقاً كل الحجب لاتغره القصور ولا المناصب ولا زخارف الدنيا برمتها ، فيرى النور نوراً والظلام ظلاماً فيكون ذا قوة وبأس شديد باتخاذ القرار الصائب والميل إلى الحق مهما كانت الخسائر والتضحيات(البصيرة) فاختار الفتية المؤمنون الذين آمنوا بالله وزادهم من الهدى أن يهجروا الدنيا ويكون الكهف مأوىً لهم منتظرين أمر الله ونصره في مواجهة الباطل ، موقفان يتجليان أمامنا في كل زمان ومكان كما حدث في واقعة الطف الأليمة فقال المتذبذبون ( مالنا ومال السلاطين ) ليخلطوا بين الحق والباطل ويتيهوا بغيِّهم يتحيرون ، بينما المؤمنون بالحق اختاروا الشهادة والجهاد مع الحسين بن علي (ع) .
وإلى يومنا هذا نسمع ذات العبارة (مالنا ومال السلاطين ) ليخلطوا بين المصلحين المجاهدين وبين طلاب الدنيا والمناصب ، ولا أدري متى ستنجلي هذه الغشاوة ويميز ابن آدم بين الحق والباطل فيركن إلى الحق ضد الباطل ؟ !
متى سنميز السلطان المصلح والمدافع عن الحق و الأرض فنمد يد العون إليه وننصره لنقهر الظالم وننصر المظلوم
حسين فرحات – لبنان