هو من لم يُحقق أهدافه في قطاع غزة – التي يعتبرها أسبابًا رئيسيةً لشن الحرب – وجعلته يرتكب جريمة الإبادة الجماعية، ويجتاح ويُدمِّر ويُهجِّر ويُحرق الأخضر واليابس على مدى الشهور الماضية، لكنه الآن، بعد مرور عام تقريبًا، لم يحقق أهدافه بعد، وفشل فشلًا ذريعًا في تحقيقها، وقد تكبَّد على مدار الأيام الهزائم.
إنّه الإسرائيلي، الذي يغرق في وحل غزة، ها نحنُ اليوم نجده وعليه آثار الوحل في ملابسه، ينتقل لجولة جديدة في شن ضربات تصعيدية كثيفة على لبنان وجنوبه، بهدف إعادة المهجرين إلى الشمال، وتدمير قدرات مقاومة حزب الله أو الحد منها، وأيضًا كما قال قائلهم: “ترك نصر الله وحيدًا”.
إن الإسرائيلي يسعى لعودة المهجّرين، لكن من الناحية المضادة، هناك القصف التعسُّفي العنيف الذي يحاول تهجير اللبنانيين، وبذلك يسعى في الناحية الثانية إلى كسر سردية المقاومة التي فُرضت عليه. وفي نفس السياق، يريد شق عصا المقاومة والضغط على حاضنتها وعلى اللبنانيين وعلى المقاومة، التي لولاها لكان الاحتلال الإسرائيلي في العاصمة بيروت، كاحتمال متوقع وبسيط . ولكن، بحمد الله، وفضل وجود المقاومة وتجاربها، والحاضنة وتأقلمها، والتفاف المجتمع اللبناني حولها الآن؛ أصبحت المقاومة توسع مدى عملياتها لـعمق 60 كيلومترًا من شمال فلسطين المحتلة وهي تقوم باستهداف أهداف إستراتيجية جديدة وتُطور أداءها ونوعية سلاحها وتكتيكها، وتطلق الصواريخ النوعية وصواريخ «فادي الأجيال الثلاثة» والطائرات المُسيّرة .
كما أن الإسرائيلي يسعى أيضًا لتدمير قدرات حزب الله التي بناها الحزب وطوّرها على مدار 20 عامًا، من خلال غاراته الإجرامية على لبنان، والتي شهدت تحولًا في الميدان والاشتباك ومداه. وحزب الله يأخذ هذا في عين الاعتبار، ولم يسكت أبدًا أمام أي اعتداء، ولن يسمح بتدمير قدراته التي كرَّسها وجعلها أسلحة ردع استراتيجية، مع الحفاظ على تماسك هيكليته وثباتها المشهود على مدى العقود، والإسرائيلي يريد من خلال غاراته على المدنيين أن يستفز المقاومة بشكل مؤثر لتخرج قدارتها وتُبدي كامل ما تقدر عليه ويستنزفها.
وما قاله وزير الحرب الإسرائيلي حول ترك نصر الله وحيدًا، كان يقصد به عبر سياسة الاغتيال بحق قيادات المقاومة السابقين والسباقين منذ التأسيس، وقد حققوا إنجازات وحققوا انتصارات في الماضي والحاضر. الإسرائيليون وجدوا في سياسة الاغتيال نقاطاً تُكسب لصالحهم ضد المقاومة، ليظهروا لمجتمعهم صورة نجاح، لكن الحال مناقض لما يبدو عليه، فالشهداء القادة ليسوا أهدافًا استراتيجية يمكن من خلال اغتيالهم تغيير موازين المعركة. حزب الله ترعرع وتنامى وتطور قبل اغتيال الأمين العام السابق الشهيد السيد عباس الموسوي وبعد اغتياله. لذلك، فإن الأمر، في الواقع، هو أن من يزرع الشوك لا يجني العنب، وأما القائد الذي استشهد فقد زرع من بعده ألف قائد ستكون نتيجتهم بساتينًا من العنب.
محمود وجيه الدين – اليمن