إن قضية الشخصية الجمعية للشعوب مسألةٌ تتجاوز الإثبات، وفهمها من البساطة بمكان، فإذا ما نظرنا إلى الشعوب ولاحظنا بأن لكل شعب من الشعوب سياقه التاريخي الخاص به، ومن هذا التاريخ يستقي كل شعب كلماته ومفاهيمه وعاداته وتقاليده وممارساته اليومية الخاصة به، بل ويقوم كل شعب بوضع المفاهيم الجديدة التي تأتيه في قالب خاص بحسب شخصيته الجمعية مما يجعل تلك الشخصية في تطور مستمر خاص يسير في سياق خاص بذلك الشعب، وحتى عندما تنتصر الفكرة الأقوى دائماً فإن معيار قوتها يحدده منظار ذلك الشعب فقط. فلا تخرج هذه الديناميكية عن وصفها بـ”شخصية جمعية”، لأنها تُمايز الجموع عن بعضها كما تمايز الشخصية الفردية أفراد المجتمع.
.
إن هذه المقدمة مهمةٌ بمكان، حتى نستطيع الدخول في فهم الشخصية الجمعية اليمنية التي هي موضوع هذه السطور، بل وهي موضوع التاريخ الذي نعيشه اليوم، حيث يضع اليمن وزناً ثقيلاً في ميزان السعي إلى حرية أهل المنطقة وتقرير مصيرها، ولعلنا بفهم هذه الشخصية التي تمتاز بالصلابة يمكن لنا أن نفهم كيف يفعل وينفعل اليمن في مواجهة الفكرة الصهيونية المتمثلة بما يسمى إسرائيل، والتي تقوم على أساس اقتلاع الآخر من الجذور وبكل وسيلة ممكنة.

فما الذي تعنيه هذه المواجهة بين هذه السياقات التاريخية المتضادة؟ أحدها أصيل ضاربةٌ جذوره في الأرض، وآخرُ مصطنع، يظن بأن خلاصة تلك الجذورهي أي فكرة ولو كاذبة، وتتجذربالترويج لها عبر الأجيال وكفى. أحدها عمادُ صلابته في وجدانه ورِباطه وهويته وعقيدته، وآخر صلبٌ في إمعانه بالقتل بلا هوادة، وعِمادُ صلابته النار والحديد. أحدهما يؤمن بشكل راسخ بأنه الأمّ التي سرت دماؤها في شريان الأمة، وآخر شكله غريب، لونه غريب، دمه غريب، وشكل مشاعرهِ غريب. أحدهما صلب في تعاضده الداخلي وفي تحشيده المهيب بمسيراته المليونية المتظافرة، وآخر متشرذمٌ في شوارعه يخشي فيه الكل من الكل

لن أستطيع في هذه السطور أن أقدم تحليلاً مستفيضاً في الشخصية الجمعية اليمنية، فذلك يحتاج إلى كتابات مطولة، ولكنني أستطيع أن أقتضب السطور كما اقتضبها اليمنيون برمزٍ يشير إلى هويتهم وإلى شكل الوعي اليمني وحضوره، وهو الخنجر اليمني (الجنبية) الذي يرتديه أكثر أهل اليمن. اقتضى الموقع الجغرافي المفتوح وطبيعة الأرض الصلبة التي تمتاز بها أرض اليمن أن يكون اليمني مستعداً لحماية دياره من أي تهديد، وظل اليمني حاضراً مستعداً عبر التاريخ حتى أصبحت الجنبية جزءاً من ذاته، بل صار من العار أن تفقد العائلة جنبيتها وعليها أن تستردها بأي وسيلة كانت.

فكم من سمات الشخصية الجمعية اختزلت هذه الجنبية اليمنية التي انتقلت من أداة حماية يومية وأداة صيد إلى رمز للشرف بمفهومه العربي، وهو من أعلى المفاهيم التي يعيش بها العربي في حياته اليومية وأسلوب معيشته؟ وما الذي نحى بها لتسير هذا المسار لتصبح رمزاً؟ أليس هو الموقع الجغرافي الذي يستدعي التأهب، فاليمن مفتوحٌ على سطح مائي شاسع بمحيطه، ومعقد في اتصال روابطه المائية الضيقة. وألا يشير دخول اليمنيين إلى الإسلام طوعاً دون معارك، وبالدعوة من علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه) إلى أنهم فهموا أن هذا الدين الذي عُرِض عليهم يستجيب لما يتطلعون إليه من ترسيخٍ لمعاني الصدق والأمانة والعدل، فاليمني يحمل هذا السلاح الحاد على جنبه، وهو أكثر الناس سلاماً واستقبالاً للغرباء إذا ما جاؤوا مسالمين. ومنذ تلك الدعوة العربية القرآنية، وبوصفهم أصل العرب، أخذوا على عاتقهم، طوعاً، مسؤولية الأمن القومي العربي والإسلامي.

إن مقابلة هذه الشخصية الجمعية الفريدة مع الشخصية الجمعية الصهيونية التدميرية التي في المواجهة، يُنبؤنا عن أن اليمن المقاوم يضع أقصى إمكانياته في كل مرحلة من مراحل المواجهة، وبأنه سيضع أقصى إمكاناته في تحقيق إعلانه: “يافا المحتلة منطقة غير آمنة”، وإن إعلانه بأن اليمن لا يحتفظ بحق الرد، يعني بأن الرد يحدث الآن، وطول انتظار الرد ينبئ عن حجمه أو تحققه الأكيد كما يريد اليمن

آدم السرطاوي-كندا