مهما يُقَال في التطور التكنولوجي في العالم اليوم، ومهما تتفق دول العالم على استراتيجية الردع النووي كبديل للحرب الشاملة، يبقى دائماً العنصر البشري هو الحاسم في الحروب، فدوره لم يتبدل ولم يحدث به تغير أساسي .
فقد أثبتت الحروب والمعارك التي دارت على وجه المعمورة منذ فجر التاريخ حتى وقتنا الحاضر أن الروح كانت العامل الحاسم في إحراز النصر على كافة المستويات. ومن المعلوم لدى الجميع مدى تأثير الإيمان بقضية محقة والالتزام بها، لأنها جزء من تعزيز الروح المعنوية للبيئة الحاضنة وللمقاتلين، سواء في وقت الحرب أو وقت السلم. إن الروح هدف ضروري ينبغي الحفاظ عليه تحت مختلف الظروف، لأنه سلاح خفي لا يملكه أعداؤنا.
فهو يدفع بالأفراد إلى ساحات المواجهة والتحدي والقتال والتضحية، ويجعلهم لا يهابون شيئا، فتملؤهم الشجاعة والإصرار والإقدام فيهزمون عدوهم، ويُكتب لهم النصر بمفهوميه: في المعركة أو عند الاستشهاد.
إن العدو الصهيوني هزم في الحروب الماضية وسيهزم في الحروب القادمة، لأن جيشه ومجتمعه فقد الروح.
في تاريخ الحروب تعرف الخلاصة الأهم فيها على المستوى الاستراتيجي، عندما تتوقف المعارك عن أن تكون كرّاً وفرّاً، فتتغير لتصبح سياقاً متصلاً، لانتصارات مستدامة ومتزايدة على ضفة، وهزائم متراكمة على ضفة مقابلة.
لا يحدث هذا بسبب مشكلة أو خطأ في الخطط التكتيكية، أو التشكيلات، أو عديد الأفراد أو تسليحهم (فائق التطور) اللامحدود، بل المشكلة الفعلية في روح الأفراد.
فالروح ليست فقط المعنويات التي تذهب بها أية قوة إلى الحرب، فالمعنويات جزء بسيط من الروح.
الروح هي حجم الإصرار والمثابرة والإيمان بقضية حتى تحقيق النصر، والثقة بالقدرة على تحقيقه، وتحويل الفوز به إلى قضية شخصية للمقاتل تستحق كل أشكال التضحية.
عندما توضع التشكيلات المشاركة في المعركة، ويذهب هذا المقاتل للالتحاق هو ورفاقه الذين تم اختيارهم لتنفيذ مهمة ما، فإن نظرهم لا يقع إلا على إذلال العدو والنصر المحتوم عليه، فتنتشر القوة المقاتلة، فيأخذ كل مقاتل سلاحه اللازم ومكانه، وينتظر نداء غرفة العمليات للبدء في الخطة. في هذه اللحظات تتكون صورة للأحداث في مخيلة المقاتل، تتلخص خلاصة أفكاره بنتيجة واحدة فقط لا غير: أنه مهما كانت ظروف أو نتائج أو تعقيدات المهمة فلا بد من تحقيق الهدف؛ الهدف بالنصر على العدو أو بالنصر الروحي، أي (الشهادة المقدسة) التي ينتظرها طيلة التزامه بقضيته كتتويج له بعدها.
لذلك يأتيه نداء غرفة العمليات كبريق أمل لتحقيق أهدافه الشخصية، التي تتكامل مع أهداف بيئته ورفاقه الماضين في سبيل قضيتهم، بالبدء في تنفيذ مهمتهم المطلوبة. فينفذوها ويكملوها على أكمل وجه ويحققوا أهدافهم بالفوز، فيبدأ جميع مقاتلي المجموعة بالاحتفال بالنصر المحقق، والتبريك من رفاقهم الذين نالوا النصر الكامل الذي يسعى إليه الجميع.
حسين فرحات – لبنان