عام 1994، وادي عربة، قالوا لماهر الجازي ابن عشيرة الحويطات الأردنية العريقة الممتدة إلى الحجاز، قالوا له: الدم بصير مي وطاقة، وغاز، ، وثقافة صهيونية مغلفة، وخنوثة سياسية. كان عمره يومها تسعَ سنواتٍ عندما قالوا له ذلك مستغلّينَ صِغر سنه باعتباره جيلاً سيتم تغييبه. ولكن، اليوم، الثامن من أيلول عام 2024 فشلت خطتهم في تغييبه وتغييب أجيالٍ تقف اليوم على عتبات فلسطين، فشلوا فأجابهم ماهر الجازي وقال لهم: الدم ما بصير مي وطاقة، ولا غاز، ولا ثقافةّ صهيونية معلّبة، ولا حتى خنوثة سياسية.
فأما الماء والطاقة، فقد كانت “إسرائيل” تسرق الماء الفلسطيني وتبيعه لأصحابه في الأردن بمعدل 50 مليون متر مكعب سنوياً. وعندما رأت “إسرائيل” أن سلطة الأردن قد بدأت بتطوير مشاريع الطاقة الشمسية، لم يُعطِ الكيان لها الفرصة لتخفض أسعار الكهرباء على الناس، فاتفق معها على “الماء مقابل الطاقة”، وتصاعدت قيمة فاتورة الكهرباء على الناس في الأردن، في حين إن مشاريع الطاقة قد طُوّرت من أموال الضرائب المرتفعة التي يدفعها الأردنيون.
“غاز العدو احتلال”، شعارٌ رفعه الشعب الأردني الحر على مدى سنوات، وصدحت به النائب الغائب هند الفايز في باحات مجلس الأمة، بالرغم من ذلك، وقعت السلطة في الأردن عام 2016 اتفاقية شراء الغاز الفلسطيني الطبيعي من “إسرائيل”، تحت مبرر ضرورات تأمين احتياجات الطاقة!
مهرجان البحر الأحمر السينيمائي الذي شاركت فيه بعض الأفلام “الإسرائيلية”، التعاون البحثي بين جامعة عمان الأهلية وجامعة “تل ابيب”، وبرنامج التبادل الأكاديمي بين الجامعة الأردنية وجامعة “بن غوريون”، والمكتبة الجامعية في الأردن التي تحوي كتباً لكتاب “إسرائيليين” مثل عاموس عوز وأوفير بليخس، مباريات كرة القدم الودية بين المنتخب الأردني والمنتخب “الإسرائيلي” كالتي أقيمت 2016، والرحلات السياحية الممتدة من “إسرائيل” إلى العقبة والبتراء ووادي رم وبتسهيلات عالية المستوى، هذه كلها بعضٌ من مظاهر الصهيونية المعلّبة التي تُحقن في الشارع الأردني ودون صخب.
عن الخنوثة السياسية، فالخنوثة مصطلح طبي يشير إلى تداخل الجنسين، الذكر والأنثى ببعضهما، فلا تدري ما هو الموقف السياسي وما هي معالمه، وما هي أصوله وما هو الاتجاه الصحيح فيه، فلماذا لا تصد سلطة الأردن ضربات الكيان؟ لماذا لا تدافع سلطة الأردن عن أهل غزة؟ لماذا لا تتحرك سلطة الأردن كما تحركت في معركة الكرامة؟ لماذا تكتفي سلطة الأردن بالسفر واللقاءات والتصريحات وقد وصل عدد الشهداء في غزة إلى ما يفوق الخمسين ألفاً؟ كلها أسئلة مُنع الشارع الأردني عن طرحها بحجة اتفاقية وادي عربة التي أعلن الشارع رفضها مراراً وتكراراً حتى اليوم، تلك الاتفاقية المغلّفة بعنوان “اتفاقية السلام”.
إن إقدام ماهر الجازي الحويطات على المواجهة، هو تثبيت لقواعد الهوية التاريخية الصلبة الواضحة للشارع الأردني والفلسطيني الذي تجمعهما كل المظاهر الثقافية والموارد والعادات والأسماء والدين والمصير المشترك. أعلنها ماهر وأجاب على وادي عربة: الدم ما بصير مي وطاقة، ولا غاز، ولا ثقافة صهيونية مغلّفة، ولا خنوثة سياسية. ماهر الجازي هو الأول اليوم، والشعب الذي بارك، سيلحق تباعاً.
آدم السرطاوي – كندا