ظهرت تلك الخارطة في مؤتمر نتنياهو الأخير وبعد أيام من إعلان عملية (المخيم الصيفي) التي شنتها قوات الاحتلال على مدن الضفة ومخيماتها، ولكن كما شاهدنا إن الضفة غير موجودة على تلك الخارطة، وبهذا إشارة إلى إعلان نتنياهو خضوعه لطلبات المستوطنين بمصادرة أراضي الضفة والسيطرة عليها بشكل كامل دون الاعتراف بوجود السلطة، وما سيترتب عليه بعد ذلك تطبيق  قانون البناء “الإسرائيلي” على أراضي الضفة كلها، وفي حال تطبيق قانون البناء ذاك ستصبح كل المباني والمنشآت والمنازل مخالفة مما سوف يؤدي إلى إصدار أوامر إزالة لكل تلك المخالفات حسب هذا القانون، أي إن سكان الضفة لن يجدوا لهم مأوىً وبالتالي سيُدفعون للهجرة خارج البلاد.

ومن آثار هذا المؤتمر وفي اليوم التالي منه شاهدنا المستوطنين يقتحمون الحرم الإبراهيمي في الخليل بأحذيتهم ليدنسوه ومن ثم قاموا بالعبث بمقتنياته التاريخية وأحضروا مقتنياتهم الشعائرية ليقيموا طقوسهم وصلواتهم التلمودية بتحدٍ صارخ ومهين لكل الأمة الإسلامية.

للعلم هذا ليس مخططًا جديدًا ولم يكن سرياً، هو مخطط تم رسمه منذ العام ٢٠١٢ تمهيدًا لما كان يسمى بصفقة القرن، والتي تهدف لضم أراضي القدس الشرقية والضفة وتفتيت السلطة الفلسطينية وتفكيكها من خلال تحويلها إلى قسم لسيطرة العائلات والعشائر وقسم لسيطرة رجال الأعمال وقسم لسيطرة المليشيات كخطوة أولى قبل الوصول لتهجير السكان.

لماذا إذًا تم تأجيل هذا المخطط حتى الآن؟!
لا يخفى على القارئ أن العدو راهن على ما كان يسمى بثورات الربيع العربي حتى يسقط محور المقاومة في المنطقة من خلال إسقاط النظام السوري  ليتفرد بما تبقى من قوة عند فصائل المقاومة ثم يقضي على القضية الفلسطينية و يبتلع القدس والضفة ويجعل من غزة قناة ملاحة بحرية ليهمّش قناة السويس ويلغي دورها، فجاءت رياح رجال الله بعكس ما اشتهت سفن الكيان والغرب، وصمدت سوريا وانتصرت وبقي النظام قويًا متماسكًا بقوة شعبه وجيشه وحلفائه، وتراكمت وتفاقمت قوة الردع عند محور المقاومة، فضرب رجال القسام ضربتهم في السابع من أكتوبر، ومن ثم غرق جيش الكيان في رمال غزة، فوقع نتنياهو وحكومته وكل كيانه في مأزق أصبح هو الحلقة الأضعف به، وشعر أنه أول من سيدفع ثمن تلك الهزيمة، فلم يجد إلا الانصياع لطلبات المستوطنين ليكونوا قارب نجاته من الطوفان حتى وإن كان يدفع في هذا الخيار بغرق “إسرائيل” كلها، ولسان حاله كمن يقول “أنا ومن بعدي الطوفان”، خاصة وبعد الملاحم البطولية التي سطرتها سواعد المقاومين في الضفة و صمود أهل الضفة والتفافهم حول أبنائهم المقاومين، وسقوط جنود العدو و معداته في الكمائن المعدة باحترافية لتصبح مدرعاتهم تابوتًا لهم ولكيانهم كما فعلت المقاومة في غزة.

صلاح الدين حلس – الكويت