بقلم:ليث عيد
استطاع اليمن العزيز خلال السنوات الماضية أن يثبت أنَّ معادلة الإرادة والقرار والاستقلالية هي من تجعل لك مكانًا ثقيلًا في معادلة الصراع، وتضع قوى العالم هذا الوزن في أولوياتها.
عشر سنوات من عدوان عاصفة الحزم على اليمن، الذي دفع كلفة استقلاليته في قراره وسياسته ورفض مشروع الهيمنة والارتزاق من أبناء الشعب اليمني وأطفاله، وتبعات اقتصادية وصحية أيضًا.وبعد ذلك أعاد اليمن توجيه بوصلة الصراع مع قوى الشر “رأس الأفعى” بعد محاولة القوى العربية أن تشنّ حرب الوكالة الأمريكية، فاستطاع المارد اليمني تشكيل تحالف مع الجمهورية الإسلامية، واستطاع أيضًا أن يكون جزءًا من محور المقاومة بعد كل هذا الغط والقتل والتجويع، وهنا نشير إلى سقوط مدوٍ لمحور الشر ووكلائه في هذه الجولة.
ماذا نعني بسقوط محور الشر في هذه الجولة؟استطاع اليمن بعد هذه الحرب تثبيت وجوده على الصعيد الجغرافي في باب المندب، وهو أحد أهم المضائق المائية، وتثبيت سيادته. أيضًا تحالف مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وكان من القوى المعززة للمقاومة الفلسطينية والدولة التي تعلن العداء للاحتلال “الإسرائيلي”، واستطاع الاستفادة من تجربة الحرب في تطوير السلاح والبرنامج العسكري.
مع بداية طوفان الأقصى كان اليمن على موعد كبير ليكون في قلب معركة فلسطين، حيث أعلن دعمه المطلق لفلسطين، فبدأ بعملية إغلاق باب المندب وفرض حظر على السفن المتجهة إلى الاحتلال، ولم يكتفِ اليمن بهذا السقف إلى أن ارتفع بحظر السفن الأمريكية واستهداف ميناء أم الرشراش، المغلق منذ إعلان اليمن إلى هذا اليوم.
وتدرجت مراحل اليمن باستهداف يافا المحتلة وإعلان مرحلة جديدة من الإسناد.أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية بعد تصاعد العمليات اليمنية ضد الاحتلال دخولها الحرب ضد اليمن بمشاركة مباشرة من بريطانيا، ليشكّلوا جبهة إسناد للاحتلال، ولكن اليمنيين استطاعوا تثبيت جبهة الإسناد والاستمرار في ضرب الاحتلال، وأيضًا استهداف حاملات الطائرات والقطع البحرية. وسجّل اليمن عمليات نوعية من أبرزها استهداف حاملات الطائرات “أيزنهاور” و”ترومان”، وبعدها أعلن الأمريكي، وهو الطرف المهاجم، وقف الحرب، ليكون هذا حدثًا تاريخيًا كبيرًا وانكسارًا أمريكيًا استراتيجيًا، وإعلان اليمن انتصاره في هذه الحرب، حيث هربت حاملات الطائرات من البحر، وأيضًا استكمل اليمن ضرب عمق الاحتلال وإعلان الحظر الجوي والبحري على المطارات والموانئ.
واليوم أمام أعين العالم، القوات المسلحة تُغرق السفينة “ماجيك سيز” بعد خرقها لقرار الحظر، وعرض هذه العملية بفيديو موثّق على شاشات التلفاز.وهل اكتفى بذلك اليمن؟طبعًا لا، اليمن اليوم يعلن عن تنفيذ المرحلة الخامسة، وهي استهداف كل السفن التابعة للشركات التي تتعامل مع الاحتلال، بمعنى لو كان هناك أسطول سفن منه سفينتان تذهبان إلى موانئ الاحتلال، فكل الأسطول مستهدف.
اليمن يذهب إلى المعادلة الصفرية، لأن هذا العالم يفرض واقع القوى، فما أبلغ اليمن وما أعظمه.وفي أحد التقارير التي أصدرها مركز أبحاث استراتيجية أسسه جيمس بيكر، وزير الخارجية السابق للولايات المتحدة، كتب هذا التقرير جيم كرين، ويتضمن حجم آثار الهجمات اليمنية في هذه المعركة على العالم، وقال: إن اليمن تشكّل تحديات جديدة للمعايير العالمية حول حرية الملاحة والدور الإشرافي للقوى العظمى، واستطاع رفع تكلفة النقل البحري للشركات العالمية بمعدل النصف وأكثر، وشبّه هذه الهجمات بحجم قرار قطع النفط الذي حصل في السبعينيات. وهناك تفاصيل بالأرقام في هذا التقرير، ومن هذا التقرير أيضًا نلتمس حجم الضغط الذي يشكّله اليمن الفقير على العالم.
اليمن سند لبنان…..!
وفي سياق الأحداث سقطت سوريا في يد عصابات الجولاني، التي كانت تمثل قلب العروبة وصمام محور المقاومة، بل قلبه النابض لا محالة. ثم جاء العدوان على الجمهورية الإسلامية، كما عُرف بـ(حرب الـ12 يوم)، والتي نُفّذت من خلال الأمريكي والاحتلال الصهيوني ضربة حُضّر لها على مدار الكثير من السنوات.
تم اغتيال العديد من قادة الحرس الثوري والعلماء النوويين، وأيضًا الخرق الاستخباراتي الكبير، ومن ثم استهداف المفاعلات النووية كما ادّعوا. اعتقدت “إسرائيل” وأمريكا أنهم بتروا الأيدي التي تمد حزب الله بالسلاح والعتاد، حيث عاد بعدها مهزومًا ليحاول فرض واقع في لبنان في ظل صمود المقاومة.وفي التوقيت الذي لا يتوقعه الاحتلال جاء الخطاب اليمني يقول إن أي حرب على الجنوب سيكون اليمن حاضرًا ومستعدًا لضرب مصالح الاحتلال، ليعيد ترتيب بعض الأوراق المتعلقة بعنوان محور المقاومة ووحدة الساحات، التي اعتقد محور الشر أنه قضى على هذه المعادلات، ليعيد الاحتلال والأمريكي إلى نقطة البداية.
كيف استطاع اليمن…..؟
في الطوفان العظيم، ظهر اليمن من حيث لا يدرك الغالبية، لأنه بمعادلات المنطق كيف لليمن بعد كل هذه الحرب الطاحنة، تسع سنوات من التجويع والتفقير الممنهج والحصار، أن يقف سدًا منيعًا أمام أعتى قوة في العالم؟
فهنا لا بد أن نقول إن هذا الشعب اليمني بفطرته وطبيعته وتاريخه شعب صلب وثابت وذو مواقف أيضًا ثابتة، ومضحٍّ إلى أبعد الأثمان. ولكن هذا النموذج كان لا بد من تعزيزه وتطويره لكي يبقى مستمرًا، وهذا تكليف على كل دول المحور وفصائله.
فكان لحزب الله الدور في تدريب وتعزيز الكوادر اليمنية، من خلال ما عُرض في الفترة الأخيرة من مشاهد لقادة حزب الله وهم في الجبهة اليمنية، وأيضًا دور سوريا الذي أشار إليه السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي في خطاباته، وسوريا كانت دائمًا ثابتة وسبّاقة في دعم كل حركات المقاومة، كما كان الدور للجمهورية الإسلامية في الدعم المالي والعسكري والتقني في برنامجها العسكري، ليكون اليمن البحر الكبير الذي لا يستطيع أن يعوم فيه محور الشر.
