الصحراء المغربية بين وحدة التراب والارتهان للتحالف مع الإمبريالية
إبراهيم حرشاوي
إن قضية الصحراء المغربية ليست نزاعاً حدودياً ولا صراعاً قبلياً، بل هي امتداد طبيعي لتاريخ المغرب العريق الذي سبق الاستعمار الأوروبي بقرون. فالمغرب، منذ دول المرابطين والموحدين والمرينيين، كان وحدة سياسية متصلة تمتد من سبتة شمالاً إلى نهر السنغال جنوباً، ومن المحيط الأطلسي غرباً إلى تخوم الصحراء الشرقية شرقاً.
هذه الجغرافيا الموحدة لم تعرف حدوداً مصطنعة، بل كانت مجالاً حضارياً واحداً يتقاسم اللغة والدين والعادات وروح الانتماء المغاربي والعربي والإسلامي.
إن مشروع البوليساريو وما يشبهه من كيانات مسلحة ليس إلا تجسيداً لمحاولات البلقنة الاستعمارية التي تسعى لتفكيك الأوطان باسم “حق تقرير المصير” المفرغ من مضمونه.
فحين تُقومَن الهوية الصحراوية، أي حين تُختزل في هوية قبلية ضيقة، يُمحى الجوهر الوطني والمغاربي الذي يجمع الصحراوي بأخيه في فاس أو مراكش أو وهران أو غدامس أو العقبة.
وتندرج هذه النزعة في سياق أوسع من قومنة الجهوية على أسس هويّاتية وهمية أو ضيقة، كما نرى في محاولات فصل منطقة القبائل في الجزائر أو برقة في شرق ليبيا.
حتى وإن التحفت هذه الحركات بخطاب “تحرري” أو “ثوري”، فإنها في جوهرها تُعيد إنتاج أدوات الاستعمار بوجه آخر. فـالتحرر والثورة في دول الجنوب لا يعنيان الانفصال أو التشرذم، بل يعنيان تصفية الاستعمار الأجنبي والمضيّ قدماً في درب الوحدة والتحرر والاستقلال. إن الثورة الحقيقية هي التي توحّد الأرض والإنسان، لا التي تزرع الشقاق باسم الهويات المصطنعة.
وإن أخطر ما يهدد المغرب اليوم هو الطرح الرسمي للحكم الذاتي في الصحراء، وهو مشروع يفتقر إلى أسس سيادية واضحة ويُعرّض وحدة البلاد لمنطق التجزئة المقنّعة. فقبول الحكم الذاتي في جزء من التراب الوطني، تحت ضغط دولي أو كخيار “واقعي”، يعني فتح الباب مستقبلاً لمطالب مماثلة في الريف أو سوس أو الشرق، بل وقد يُغري بتكرار النموذج في الجزائر وتونس وليبيا. إن هذا المسار، بدل أن يعزز وحدة الدولة الوطنية، يُعيد إنتاج منطق الاستعمار في شكل “لامركزي” جديد يُحوّل الجهوية من أداة للتنمية إلى سلاح للتقسيم.
إن حق المغرب في صحرائه لا ينبع من اتفاقيات أو دعم أجنبي، بل من عمق التاريخ ومن تواصل الإنسان مع أرضه. هذا الحق لا يحتاج إلى تبرير بصفقات تحالفات مع الإمبريالية أو التطبيع مع الكيان الصهيوني، لأن السيادة الوطنية لا تُبنى على التبعية مع مراكز الاستعمار.
فالمغرب، إذا أراد أن يستعيد خريطته التاريخية الكاملة، عليه أن يفعل ذلك ضمن مشروع تحرري مغاربي وعربي وجنوبي شامل، يشمل استرجاع سبتة ومليلية والجزر الجعفرية، ورفض كل أشكال الاحتلال التي تمسّ وحدة الأرض والإنسان.
إن الصحراء المغربية يجب أن تكون عنواناً للتحرر والسيادة، لا مبرراً للتبعية. فالمغرب واحد، بإنسانه وتاريخه وأفقه المغاربي والعربي والاسلامي، ولا مكان فيه لتقسيمات إثنية أو مشاريع استعمارية جديدة تحت أي غطاء.
