نجاح أقصى اليمين الفرنسي، لأوّل مرّة منذ وجوده في تمرير نصّ في «الجمعيّة الوطنيّة» الفرنسيّة [البرلمان]، يمكن اعتباره، عند مقاربة المسألة من منظور فرنسي داخلي، «انتصارًا لا مثيل له».
كما تكمن أهميّة هذا «الفوز العظيم» في أنّه يمثّل الخطوة الأولى من مسار يهدف إلى «إعادة الروح» إلى (هذا) النفس الاستعماري الذي وضع الرِجْل الأولى في ركاب السلطة، على أمل وضع الرِجْل الثانية بُعيد الانتخابات القادمة.
النصّ لا يزيد عن تنديد بما يسمّى «اتفاقات 68» المنظمة للعلاقات بين فرنسا والجزائر في الفترة التي تلت الاستقلال.
هذه الاتفاقيّة فقدت معناها منذ أصبح الجزائري مجبرًا على الحصول على تأشيرة لدخول فرنسا، ممّا يدلّ على «الطابع الرمزي». دون إغفال أنّ المصادقة تمت على بعد يومين أو ثلاثة من فاتح نوفمبر ذكرى اندلاع الثورة التحرير في الجزائر.
لم يُقْدِم حزب «التجمّع الوطني» سليل «الجبهة الوطنيّة» على تقديم النصّ للتصويت، سوى بعد القيام بقراءة دقيقة للمشهد السياسي في فرنسا سواء من باب تشخيص الواقع أو استشراف المستقبل.
لذلك يأتي «البعد الرمزي» والاستغلال السياسي ضمن لعبة صراع داخلي فرنسي.
فقط يؤكد هذا المشهد الفرنسي للجزائريين، أنّ أطراف فرنسية لا تزال تصرّ على «استدعاء التاريخ» على اعتباره جزءا من صناعة الحاضر، والتعويض عن «التفويت» في الجزائر من خلال نفي هذا الماضي وإن كان في بعده الرمزي.
ينوي اليمين المتطرّف اعتماد «الموقف من الجزائر» في صورة أحد أهمّ المعرّفات لجدلية الفعل السياسي في فرنسا، بمعنى أنّ التحالفات/الصراعات ستتمّ في جزء غير هيّن منها على أساس التصويت الذي أقرّ النصّ واعتمده.
لا نقاش ولا جدال أنّ فرنسا تعيش أزمة سياسيّة/اقتصاديّة/اجتماعيّة خانقة، حيث بدأ الشعور بالتذمّر يسري في البلاد وبين العباد، أساسًا بسبب تراجع القدرة الشرائيّة وهشاشة عقود التشغيل، دون اغفال قانون التقاعد الذي أثار ولا يزال لغطا كبيرًا، ليأتي نصّ يلغي اتفاقية فقدت روحها منذ زمان غير قصير. حين انطلق هذا اليمين بشقيه المحافظ والمتطرف من التاريخ الحارق ليجد ذاته ضمن حاضر متوتّر.
سيذكر التاريخ أنّ الموافقة تمّت بمصادقة 185 صوتا مقابل رفض 184، ممّا يعني انشطار الوعي الفرنسي إلى نصفين يملكان القوّة ذاتها، وهو أمر بيّن من خلال العجز عن تأليف حكومة مستقرّة ذات قاعدة برلمانيّة صلبة منذ الانتخابات التشريعيّة التي تلت حلّ البرلمان.
عند توسيع دائرة الرؤية والنظر إلى عمق المجتمع السياسي الفرنسي، نلاحظ بناء على التصويت والفوضى السياسية التي سبقته وأسّست له، نزوح قوتين متقابلتين نحو مركز واحد:
أوّلا: الاتجاه التي اتخذته مارين لوبان منذ الانقلاب على والدها، بالتخلّص من أغلب «الوجوه القديمة» وتغيير تسمية الحزب إلى «التجمّع الوطني»، بغاية نقل الصورة من «الفاشيّة» التي لازمت هذا المشروع السياسي منذ نشأته، والانتقال به أو هو جعله ينتمي إلى عائلة «اليمين المحافظ».
ثانيا، نزوح طيف ما يُسمّى «اليمين الجمهوري» الذي يرى نسبه في الجنرال ديغول وأقلّ من ذلك جاك شيراك، نحو التطرّف.
سواء تعلّق الأمر بدفع الفاشيّة نحو اليمين Droitisation du fascisme أو دفع اليمين نحو الفاشيّة Fascisation de la droite، فالغاية ذاتها لدى رأسمال الذي أصبح ينتدب السياسيين (على قول أحد المعلقين) بطريقة لا تختلف عمّا يتمّ مع لاعبي كرة القدم.
هناك من أصحاب المليارات داخل فرنسا
من يدفع باليمين المتطرف إلى الحكم والسيطرة على السلطة التشريعية وكذلك رئاسة الجمهوريّة، من خلال الانتخابات القادمة من أمثال بيار إدوار ستيرين، Pierre-Édouard Stérin الذي يرى حسب مجلّة L’incorrect التي يملكها أنّ حظوظ اليمين المتطرف في الانتخابات القادمة أفضل من نظيره الجمهوري، في حين لا يخفي ملياردير فرنسا الأوّل برنارد أرنو Bernard Arnault, هواه المتراوح بين اليمين المحافظ واليمين المتطرف.
أمّا عن هوس أصحاب المليارات في فرنسا باليمين بشقيه المحافظ والمتطرف، فيعود إلى أسباب تاريخيّة، أساسها أنّ رأسمال في الغرب يعتبر أن الفاشيّة/النازيّة هما الأقدر على حماية مصالحه، ولمَ وضع اليد من جديد على «مستعمرات» لم تغادر أحلامهم.
نصر الدين بن حديد
                    