عشية انعقاد الدورة ال 35 للمؤتمر القومي العربي
فلسطين :الهاجس والمحرك
(2)

   معن بشور

كانت انتفاضة الحجارة في فلسطين موضع اهتمام الامة واحرار العالم حين اخذ السؤال التاريخي يدق ابواب عقل المسكونين بهاجس تحرير الامة وتوحيدها وفي الطليعة مركز دراسات الوحدة العربية ، لاسيّما في أجواء الرغبة العاصفة في إيجاد السبل لإخراج الامة من سلبيات الانقسام غير المبرر بين بلدانها وداخل كل بلد . وكان السؤال المطروح انذاك هل يمكن مواجهة كل ما يحيط بنا من أهوال وصراعات وحروب دون “حركة عربية واحدة” تحدث عنها جمال عبد الناصر ، وحاولت تأسيسها حركات قومية كحزب البعث وحركة القوميين العرب وغيرهما من حركات وحدوية اخرى.
في هذا الخضم من البلبلة الشعبية والفكرية العربية ، وفي أجواء اعداد المشروع النهضوي العربي طلب مني الدكتور خير الدين حسيب تحضير ورقة للنقاش حول “الحركة العربية الواحدة ‘ ودعى اليها حشد من الوحدويين العرب اجتمعوا في بيروت في الذكرى الحادية والثلاثين لقيام اول تجربة وحدوية عربية بين مصر وسورية في 22 فبراير/شباط 1958.
في تلك الورقة استبعدت فكرة اطلاق هذه الحركة دون تحضير كاف يشمل كل القوى الوحدوية العربية ويستفيد من دروس التجارب الوحدوية السابقة والمتعثرة.
وفي المداولات التي سبقت التحضير للورشة مع عدد من العروبيين المقيمين في بيروت خرجت ورقة تستبعد تشكيل حزب وحدوي على مستوى الامة في الوقت الحاضر ، بل السعي لاطلاق مؤتمر على غرار حزب “المؤتمر” في الهمد(كما كان يقترح الوزير السابق والصديق الدائم عصام نعمان،) يكون اطاراً للحوار والتفاعل بين كل المؤمنين بالمشروع النهضوي العربي على مستوى الامة ، من شخصيات حزبية او نقابية او سياسية او اعلامية ، يلتقون في مؤتمر سنوي يشكل بمواقفه وتحليلاته مرجعية فكرية وسياسية ، ويكون له مرونة حركات التحرر الوطني دون الوقوع في أمراض التزمت والتعصب والتوتر والاقصاء التي سادت العلاقات الحزبية والسياسية العربية، وان تكون مواجهة المشروع الصهيو – استعماري هي قضيته المركزية دون التقليل من اهمية الاهداف الأخرى التي يتضمنها المشروع النهضوي.
وجاءت انتفاضة الحجارة في الأراضي الفلسطينية المحتلة في ديسمبر/كانون الاول 1987 لتعطي هذه الأفكار أهمية عملية ، كما كانت لتطورات الحرب اللبنانية في اذار 1989 التي عرفت ب “حرب التحرير” ما يعزز من الحاجة إلى فكر وحدوي جامع وادوات عمل وحدوية تتجاوز الغصبيات الضيقة، وهو امر لم يكن يروق للعديد من الانظمة التي انقسمت بين معاد للفكرة اساساً ، وبين محاولة السيطرة عليها ، وقد عانت فكرة المؤتمر من النوعين من الانظمة كثيرا رغم ان المشرفين على المؤتمر حرصوا على تجنب الصدام المباشر مع هذه الانظمة والتركيز على اعلان المواقف القومية التوجيهية واعتبار ان مهمة تنفيذها تقع على عاتق القوى السياسية والنقابية والشعبية المناضلة داخل ساحات نضالها داخل كل قطر.
وبذات الروح الوحدوية التي انطلق في كنفها المؤتمر بادر القيمون عليه الى الدعوة مع أطراف اخرى لتأسيس العديد من الهيئات والمنصات والاطر المتعددة المهام او الى التعاون مع بعضها الذي كان قائما قبل المؤتمر.
لكن القيمين على اطلاق المؤتمر كانوا معنيين ايضا بالشباب مطلقين منذ المؤتمر الاول في تونس ربيع عام 1990 مخيم الشباب القومي العربي ثم منتديات التواصل الفكري الشبابي ، واخيراً ملتقى الشباب العربي ، ناهيك بإطلاق تجربة ذات بعد اممي هي المركز العربي الدولي للتواصل والتضامن، وهو المركز الذي اطلق المنتدى العربي الدولي من اجل العدالة لفلسطين والذي تولى رئاسته الفخرية وزير العدل الاميركي في ستينات القرن الماضي الراحل رامزي كلارك ، بل المركز الذي اطلق بدوره بالتعاون مع العديد من الهيئات منتديات عربية ودولية متصلة بالقضية الفلسطينية ك ملتقى القدس الدولي في اسطنبول (2007) ، وملتقى العودة في دمشق (2008) ، وملتقى الجولان في القنيطرة السورية (2008) ، وملتقى دعم المقاومة في بيروت (2009) ، وملتقى دعم الاسرى والمعتقلين في الجزائر (2010) ، وملتلقى الدفاع عن وحدة السودان (2011) ، وملتقى مقاطعة العدو في تونس (2012) ، والتي شارك فيها مناضلات ومناضلون غير عرب ولعبوا ادواراً ملحوظة فيه ، ومنهم اليوم مشاركون بارزون في الانتفاضة العالمية التي تتحرك في القارات الخمس تعاطفاً مع بطولات الشعب الفلسطيني ، وتنديداً بالجرائم الصهيونية ، ناهيك عن المشاركة في سفن واساطيل وقوافل كسر الحصار على غزة .
ورغم الحصار السياسي والمادي واصل المؤتمر القومي العربي والهيئات التي خرجت من رحم مسيرته النضالية المستقلة من اجل قضايا الامة وفي طليعتها المقاومة بكل أشكالها ، ولا سيّما المقاومة الفلسطينية واللبنانية المسلحة ، وهو الذي حرص منذ “طوفان الاقصى” ان يخصص دورتيه 33 و 34 من اجل غزة وعموم فلسطين .