جاءت زيارة أسعد الشيباني؛ وزير خارجية “سلطة الأمر الواقع في دمشق” بقيادة أبي محمد الجولاني، لبيروت، في إطار تعزيز موقع هذه “السلطة” الإقليمي مع الدول الجارة، قبل إبرام هذه “السلطة للاتفاق الأمني المرتقب مع الكيان الصهيوني”.

فهل يعقل أن تعقد “سلطة الجولاني” اتفاقًا مع العدو الصهيوني، وتتجاهل تعزيز العلاقة مع لبنان الجار والشقيق؟.

وفي هذا الصدد، يسأل مرجع سياسي ودبلوماسي عربي مخضرم، “رغم اللغة الدبلوماسية التي اعتمدها الشيباني، في حديثه إلى وسائل الإعلام، خلال زيارته لبنان، خاصة في ما يتعلق “بالعلاقات الثنائية القائمة على احترام سيادة واستقلال الدولتين، هل تطمح “سلطة الجولاني” إلى أن تؤدي دورًا في لبنان، بتكليفٍ ومباركةٍ أميركيةٍ، يفضي إلى مواجهة الحضور الإيراني في لبنان والمنطقة؟”، نظرًا للواقع الجغرافي للبنان وسورية، فلبنان عمليًا محاصر بالكامل من سورية في البر، كون الكيان الصهيوني، غير معترفٍ به من لبنان حتى الساعة، ولا يستطيع أن يتحرك نحو العالم عن طريق البر، إلا عبر الجغرافيا السورية، ناهيك عن الفرق في المساحة والقدرة بين البلدين.

وفي الصدد، لم تخف الدبلوماسية الأميركية عبر سفيرها في أنقرة وموفدها إلى لبنان وسورية توماس برّاك، رغبتها أو “توجهها” بإعادة لبنان إلى “بلاد الشام”، وإنهاء مفاعيل اتفاقية “سايكس- بيكو”؛ أي “إعادة رسم الحدود بين دول المشرق العربي (لبنان، سورية، فلسطين، والعراق)، وبالتالي انتهاء الحدود الراهنة”، رغم محاولة برّاك التملص من هذا الموقف، و”لحس الإمضاء”.

وهنا، لا يخفي المرجع المذكور آنفًا ريبته “من إعادة لبنان تحت “الوصاية السورية” بمباركة أميركية، بعد سقوط الحكم السوري المنضوي في محور المقاومة، ووصول “سلطة” خاضعة بالكامل للمحور الغربي، وصاغرة أمام العدو الصهيوني، وذلك في إطار الحرب الأميركية- الصهيونية المفتوحة مع إيران، للحد من الحضور الإيراني في المشرق”.

ويوضح المرجع عينه أن “هذه الوصاية، لن تعود كما كانت في زمن الحكم السابق، ولكن من خلال التأثير السوري في لبنان، بواسطة الواقعين الجغرافي والديموغرافي بين البلدين”.

ومن أبرز نتائج زيارة الشيباني إلى لبنان، الخبر الذي “زفه” وزير الخارجية اللبناني يوسف رجّي، على حد تعبيره، وهو “تعليق عمل المجلس الأعلى اللبناني السوري”. وهنا لا بد من تذكير رئيس الدبلوماسية اللبناني بالآتي:

إثر اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري في منتصف شباط 2005، ثم انسحاب القوات السورية من لبنان في أواخر نيسان من العام عينه، منذ ذلك الوقت حتى الساعة، علت ولا تزال تعلو من وقتٍ إلى آخر، بعض الأصوات التي تطالب بإلغاء المجلس الأعلى- اللبناني- السوري، ويبدو أنها تجهل أو تتجاهل الفرق بين “المجلس” عينه، والأمانة التابعة له، على رأسها الأمين العام نصري الخوري.

“فالمجلس” منبثق عن معاهدة «الأخوة والتعاون والتنسيق»، الموقعة بين لبنان وسورية، أيار 1991. ومن حيث سمو القوانين، تسمو المعاهدات الدولية على القوانين العادية، وتلي المعاهدات، النظم الدستورية، من حيث مبدأ تدرُّج القوانين.

وهنا، يوضح الخبير الدستوري الدكتور عادل يمين أن “إلغاء المعاهدة يتم إما من خلال تحقُّق شروط الإلغاء المنصوص عليها في المعاهدة عينها، أو بند من بنود الإلغاء، كأن يكون مذكورًا فيها، أنه في حالة معيّنة، تلغى هذه المعاهدة، أو في حال كانت تنص على بندٍ، يعطي الحق لكل من فريقَي المعاهدة، الخروج منها، إذا تحقق أحد بنودها، وإما إذا تم الاتفاق بين طرفيها، على إلغائها، وفقًا للأصول القانونية،؛ أي بالطريقة نفسها، التي اعتمدت عند التوقيع”.

وبالعودة إلى مسألة المطالبة بإلغاء “المجلس”، يبدو أن جوقة المطالبين و”قائد فرقة زفة بستروس” يجهلون أو يتجاهلون عمدًا أيضًا تطوّر مراحل عمله ودوره.

ففي عهد الرئيس ميشال سليمان، وخلال تولي الرئيس سعد الحريري حكومته الأولى، أوفدت الحكومة اللبنانية وزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية وقتذاك؛ جان أوغاسبيان إلى دمشق، في 2010، على رأس وفدٍ من المديرين العامين المعنيين بالاتفاقيات اللبنانية- السورية، كالمدير العام للجمارك، ووزارة العدل، على سبيل المثال، لإعادة النظر في المعاهدة المذكورة، حيث التقى وفدًا سوريًّا برئاسة رئيس هيئة تخطيط الدولة؛ عامر لطفي وقتذاك.

وبإيجاز، أفضى اللقاء إلى إنجاز ما يقرب من تسعة اتفاقات ثنائية، وتسع مذكرات تفاهم بين لبنان وسورية، في صيغتها الجديدة التي راعت شروط تحسين متطلبات كلٍّ من الطرفين، إلى 14 اتفاقاً آخر برسم المناقشة النهائية، كانا قد نوقشا على نحو عابر في اجتماعٍ سابقٍ.

بعدها، عقدت “هيئة المتابعة والتنسيق” برئاسة رئيسي الوزراء السوري محمد ناجي عطري واللبناني سعد الحريري الذي زار دمشق في تموز 2010، على رأس وفد وزاري كبير، مؤلف من 13 وزيرًا، يمثلون مختلف المكونات اللبنانية الممثَّلة في مجلس النواب وقتذاك، بما في ذلك “القوات اللبنانية” التي مثلها وزيري العدل إبراهيم نجار والثقافة سليم وردة.

وبإيجاز أيضًا، وقّع كل من لبنان وسورية سلسلة من الاتفاقات ذات البعد الاقتصادي وقتذاك.

ووفقًا للأصول القانونية، أحيلت إلى المجلس النيابي لإبرامها، كي تسلك طريقها القانوني، وتصبح سارية المفعول، غير أن الأجواء لم تعد مؤاتية، بعد استقالة حكومة الحريري، في كانون الثاني 2011، ثم بدء الحرب على سورية، في منتصف آذار من العام عينه.

ووسط هذه الأجواء غير المناسبة، لم يطرح رئيس مجلس النواب نبيه بري، على البرلمان، “اتفاقيات الحريري- عطري”، للتصويت عليها، لإبرامها، ووضعها في إطارها القانوني، على اعتبار أن الظروف حالت دون ذلك، وبقيت معلقةً حتى الآن في أدراج البرلمان.

حسان الحسن-العهد