صدم طوفان الأقصى الجميع. لم يكن أحد باستثناء من فجروه يعتقد أنّ الأمر قد يخطر ببال أيّ كان. لذلك تمثلت «الجريمة» بحسب الأطراف المعادية للمقاومة في مجرّد التفكير في الفعل قبل المشروع في الإعداد والذهاب حدّ التنفيذ.
لذلك تجاوز «طوفان الأقصى» بعده المادي المباشر، أيّ تنفيذ الخطة العسكرية والهجوم على مواقع العدو ، ليكون فلسفة أسّست لمنهاج فكري تبعه التفعيل المادي لهذه القناعات.
لذلك عملت الأطراف المعادية لحلف المقاومة عامّة وللمقاومة الفلسطينية في غزة على وجه الخصوص، لكسر السردية الفلسطينية وبالتالي تدمير ما بعد السابع من أكتوبر بكامله.
إضافة إلى ذلك وبموازاة الحرب الدائرة على الميدان، عملت فيالق أخرى على طعن الطوفان في أساسه، أي اعتبار المشروع بكامله فاشلا وأنه لم يجلب سوى الخراب والدمار للشعب الفلسطيني المقيم في غزة.
أصوات عربية وفلسطينية كذلك، بدأت خافتة أول الأمر، ثمّ ارتفعت في تدرج، في مسعى لترسيخ فكرة واحدة: ما كان لهذا الدمار الذي طال غزة أن يتم لولا «طوفان الأقصى».
هذا الخطاب المتدثر بالحسرة أمام شلال الدمّ الذي سأل والخراب الذي طال القطاع بكامله، لا يعدو أن يعدو سوى تفي للتهمة عن الصهاينة، على أساس أن من فجر السابع من أكتوبر هي المقاومة، وبالتالي تتحمل (بمفردها) المسؤولية المباشرة عما جرى.
القيادي في ما يسمى السلطة الفلسطينية في رام الله حسين الشيخ أعلن ذلك أكثر من مرة ذلك، محملا حركة حماس المسؤولية وتوعدها بالحساب.
ضمن خطة التدرج طرحت جهات أخرى سؤالا ظاهره الاستفسار وليس الاستنكار، فيما يتحمل يحيى السنوار من مسؤولية عما نرى في غزة؟
خطورة هذا السؤال أن صاحبه سواء طرحه بالمباشر، أو شارك غيره في الطرح، ومن ثمة النقل، عن وعي وعلم ودراية، أو عن جهل ومحاكاة ومجرد تقليد، أنه يستبطن أن الوضع في غزة كان «مقبولا» وأن يحيى السنوار ومن معه في قيادة الحركة وكامل الطيف المقاوم «كفروا بالنعمة التي يعيشون فيها» وبالتالي «جحدوا بالنعمة ، فأصابتهم نقمة الله»…
مجرّد القول أو هو التسليم بأنّ الوضع في غزّة كان «مقبولا» قبل السابع من أكتوبر، لا يعدو أن يكون سوى تطبيعا ذهنيا مع الصهاينة، حين صار الاحتلال ليس فعلا مفروضًا بالدمّ والحديد والنار ليكون مرفوضًا من خلال المقاومة، بل وضعًا مقبولا، مطلوب المحافظة عليه والعمل على دوامه.
أثبت التاريخ أن المقاومة التي تسعى لتأبيد الاحتلال تنقلب إلى وكيلا له، واليد الطولى التي تعمل في خدمته.
لذلك عملت جهات معادية للمقاومة على نشر هذا السؤال، النفخ فيها، على اعتبار أنّ ما سال من الدم كثير، ليتمّ الخلاص إلى أنّ الوسيلة الوحيدة لتأمين سلامة أهل غزّة، تكمن في نزع سلاح المقاومة، لمنعها من تكرار سيناريو الطوفان.
من ثمّة يتمّ التعامل مع أهل غزّة على انهم «كائنات حيّة» وجب المحافظة على حياتهم، درءا للانقراض، وليس بشرا أصحاب حقوق سياسيّة، يملكون حقّ مقاومة المحتلّ وإقامة دولتهم على كامل أرضهم التاريخيّة…
نصر الدين بن حديد
