الحوار السعودي مع حزب الله؟
بقلم أ.ناصر قنديل/السبت  2025/09/20

ليس حدثاً عادياً أن يُطلق الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم الدعوة للحوار مع السعودية وأن يضع له جدول أعمال يرتبط بتنقية الأجواء وإزالة المخاوف وضمان المصالح، وأن يقدّم له بتحليل عنوانه ما بعد استهداف قطر ليس كما قبله، وأن الوهم الاعتقاد بأن مَن يعتبرون أنفسهم أصدقاء واشنطن في المنطقة قد سقط، ومثله وهم الاعتقاد بأن الاستهداف الإسرائيلي محصور بقوى مقاومة بينها وبين دول الخليج ملفات خلافيّة، بما لا يجعل هذه الدول تشعر بأنها معنية باتخاذ مواقف جدية من هذه الاستهدافات، ومعهما سقط وهم الاعتقاد بأن واشنطن تحمي أو أن قواعدها تمثل حصانة، والأهم سقوط وهم الاعتقاد بأن العدو هو إيران وأن “إسرائيل” يمكن أن تكون حليفاً.
ما قاله الشيخ قاسم ليس مجرد قراءة ذاتية عند الحزب قد يحلو لمن اسودت وجوههم خشية أن يكون الحوار بين الحزب والمملكة قابلاً للتحول إلى واقعنا فينقطع رزق الكثيرين الذين يتعيشون على الخلاف بينهما، أن يعتبروه سعياً من حزب الله لفك ما يسمونه بالعزلة، أو أنه اعتراف بالضعف، والوقائع من حولنا تقول بوضوح إن السعودية ذهبت إلى معاهدة دفاع مع باكستان بعد العدوان على قطر فوراً، وباكستان التي تقيم أفضل العلاقات مع إيران والصين هي الدولة الوحيدة التي قالت خلال الحرب الأميركية الإسرائيلية على إيران، حيث قال وزير الدفاع الباكستاني في ثالث أيام الحرب سوف نقف مع إيران بكل ما أوتينا من قوة، وإن هذه المعاهدة تحمل معاني تشبه ما قاله الشيخ قاسم، فهي تقول إن ما قبل العدوان على قطر ليس كما قبله، وأن أميركا لا تحمي وأن العدو ليس إيران وأن مصدر الخطر “إسرائيل”، وأن الاستهداف الإسرائيلي يتوسّع إلى ما يتخطى استهداف قوى المقاومة، بدليل ما يجري في سورية وواقعة العدوان على قطر.
الدعوة تأتي بعد لقاءات عالية المستوى بين السعودية وإيران جمعت ولي العهد السعوديّ بأمين عام مجلس الأمن القومي الإيراني علي لاريجاني، لم يكن خافياً أن أحد أبرز مواضيعها لبنان، كما كشف وزير الخارجية الإيرانية عباس عراقجي بعد لقائه مع وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، وأن لقاء لاريجاني مع بن سلمان جاء لتقييم مرحلة ما بعد القمة العربية الإسلامية وكيفية مواجهة التحديات في المنطقة، ومن الطبيعي توقع أن تكون دعوة الشيخ قاسم منسقة مع إيران إن لم تكن واحدة من الترتيبات المتفق عليها في لقاء لاريجاني وبن سلمان تمهيداً لإطلاق الحوار بين المملكة والحزب.
من المعلوم أن التصعيد الذي عرفه لبنان ضد المقاومة استند إلى تغطية سعودية تمثل بحضور الوزير يزيد بن فرحان في بيروت ودعوته رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة إلى قبول ورقة المبعوث الأميركي توماس برّاك كما هي، والقول إن السعودية لا تستطيع أن تقدم أي مساعدة للبنان ما لم يفعل ذلك ولا أن تجنب لبنان مخاطر ضربات إسرائيلية قاسية إن لم يفعل، وأن هذا الدور السعودي كان في خلفية قرار الحكومة في 5 آب، كما أنه من المعلوم أن لقاء الوزيرين عراقجي وبن فرحان في نهاية شهر آب مهّد لمناخ حكومي لبناني قام باحتواء الاحتقان الذي كاد يؤدي إلى الانفجار لولا قرارات الحكومة في 5 أيلول، وأن قرارات الحكومة في 5 أيلول والدور السعودي في تسهيل صدورها، مهّدت للدعوة التي أطلقها الشيخ نعيم قاسم أمس.
في مثل حالة حزب الله والسعودية يصعب تصديق أن الإعلام هو وسيلة التخاطب الأولى بين الطرفين، بل إن ظهور التخاطب عبر الإعلام يكون ثمرة كواليس مهدت وهيأت، وصار الخطاب المطلوب علناً هو التمهيد اللازم لبدء مسار الانفتاح المتبادل من جهة، وتهيئة الجمهور من جهة مقابلة، والمنطقي أن نتوقع وفقاً لهذا الفهم الموضوعي للطرفين وأسلوب تعاطيهما الرزين والمحافظ، أن الحوار مسار أكيد سوف ينطلق بمواقف متقابلة تعقبها خطوات متبادلة، وهذا أمر سوف يترك انعكاسات كبيرة على الوضع في لبنان والمنطقة، حيث إن إزالة التوتر من العلاقة بين الحزب والمملكة سوف يخلق مناخاً ايجابياً في الداخل اللبناني، بين ثنائي أمل وحزب الله من جهة وكل من رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة من جهة مقابلة، بل إن ما تضمنته دعوة الشيخ قاسم من انفتاح على الداخل اللبناني تمثل تمهيداً لمساهمة سعودية في رعاية مثل هذا الحوار، ولا يبدو أن هناك من متضررين من هذا المسار الجديد، إلا الذين ذهبوا بعيداً في العداء للمقاومة الى درجة التماهي مع الطروحات الإسرائيلية، أو الذين تعيّشوا على الخلاف بين المملكة والحزب ولا يستطيعون تخيّل دور لهم إن استغنت السعودية عن خدماتهم، بينما لن تكون أحوال اليمن وغزة ووصولاً إلى سورية بعيدة عن جدول أعمال الحوار المرتقب.