– من الطبيعي أن تكون المقاومة مهتمة في غزة بالتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار ينسجم مع حرصها على وقف جرائم الإبادة وحرب التجويع التي يشنها الاحتلال ويهدّد بتوسيعها ضد سكان قطاع غزة، بما ينسجم أيضاً مع حرص المقاومة على عدم تحويل هذا الحرص إلى مصدر ابتزاز لمنح الاحتلال نصراً سياسياً على الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية، مثل نزع سلاح المقاومة أو منح الاحتلال شرعيّة السيطرة على الأراضي الفلسطينية.
– تجمع قوى المقاومة على اعتبار أن الموافقة على الصيغة الأخيرة التي عرضها الوسيطان المصري والقطري تنسجم مع معايير المقاومة بشقيها، الحرص على سكان غزة والحرص على قضية الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية.
– يحاول البعض أن يربط قيمة موافقة المقاومة على العرض التفاوضيّ بفرص نجاحه فقط، بحيث يصبح الرفض الإسرائيلي سبباً للقول إن المقاومة خسرت، وهذا غير صحيح، فالمقاومة في سياق التفاوض تخوض حرباً سياسية لا تقل شراسة عن الحرب العسكرية، والحرب السياسية هي حرب لكسب تأييد الفلسطينيين أولاً وثقتهم بأن المقاومة لا تغامر بهم لأجل أهداف تخصها، وأنها بعكس ذلك تبذل ما في استطاعتها للتوصل إلى اتفاق يخفف عنهم المعاناة والخطر، وهذا تحقق حكماً سواء قبل رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو بالعرض أم قام برفضه، بحيث إن المضي في الحرب الإسرائيلية سيمنح المقاومة تأييد شعبها ويزيد مقاتليها بسالة واستعداداً للتضحية.
– على المستوى الإقليمي والدولي ربحت المقاومة الجولة، فظهر بوضوح أنها ليست الطرف الذي يعرقل فرص الوصول إلى حل عناداً وتمسكاً بأهداف خاصة، بل إن نتنياهو هو من يفعل ذلك وعليه أن يتحمّل تبعات ذلك بالمزيد من العزلة الداخلية والخارجية.
– تدرك المقاومة أن موقفها يأتي في لحظة إسرائيلية داخلية شديدة التأزم تحت عنوان رفض شعبي جارف للمضي في الحرب عبرت عنه تظاهرات المليون أول أمس، وفي لحظة دولية إسرائيلية أشدّ تأزماً تعبر عنها الشوارع العالمية الغاضبة والتي تتهم “إسرائيل” بارتكاب جرائم إبادة وتجويع، وبدأت تترك آثارها على سياسات الحكومات التي تقاطع “إسرائيل” وتعلن استعدادها للاعتراف بدولة فلسطين، وجاءت موافقة المقاومة على صيغة الاتفاق تُسهم في رفع وتيرة الغضب الداخلي والخارجي من سياسات حكومة نتنياهو وتدفع علاقتها بالداخل والخارج نحو المزيد من التأزم.
– نجحت المقاومة بموقفها بتبديد الحملة التي تقودها السلطة الفلسطينيّة ومعها كثير من الوسط العربي الرسمي وأدواته الإعلامية، ويبدو واضحاً أن أصحاب هذه الحملة قد أصابهم التلعثم بعد موقف المقاومة الإيجابيّ من مشروع الاتفاق، وسوف يصابون بالتلعثم أكثر إن انتهى الأمر بالاتفاق أو إذا أطاح رفض نتنياهو فرصة الاتفاق.
ناصر قنديل