«ألوان مُعلّقة» عنوان المعرض الفردي الأول للفنان التشكيلي الفلسطيني مروان عبدالعال. 24 عملاً تتشارك في كونها جميعها من نتاج العام 2025، وبألوان الأكريليك على كانفاس. كما وتلتقي تلك الاعمال على موضوع حاضر أمامنا على مدار الساعة، ويتمثّل بالمقاومة والصمود الأسطوري لناس غزة ومقاتليها. في هذا العدوان المشهود منذ ما يقارب السنتين، طور المعتدي أساليبه وما زال بحثاً عن مزيد من الوحشية، إمعان بقهر الذات الإنسانية والوطنية للفلسطيني. وحرب التجويع تشكل النسخة الأكثر تطوراً في العدوانية الصهيونية.

ريشة الفنان مروان عبدالعال وما أنتجته من أفكار وألوان تحاكي اللحظة الراهنة المؤلمة، وتؤرّخها فنياً. وفيها تمازجت الألوان بالأفكار، وبالأسماء المختارة لكل لوحة، لتؤكد المؤكد بأننا تعرّفنا إلى مروان عبدالعال الروائي أولاً، عبر اغلفة رواياته وموضوعها، إلى حضوره في عدد من المعارض الجماعية التي شارك فيها.   في معرض «ألوان مُعلّقة» تبدأ رحلة النبش عن مقاصد الفنان وألوانه من بطاقة الدعوة. هو اللون الذي تجمّع من كل حدب وصوب على صورة حشد غاضب في لوحة «قيامة أخرى». حشد تزاحمت من خلاله المعاني والقراءات، ونستخلص بأنه تعبير عن غضب مطلق، بينما المتلقي صنم. إلى المعرض ومحتوياته تباعاً ولوحة «نفق الزمن» واقع ليس لفلسطيني أن يغيب عنه في غزة. مجموعة رجال يسيرون في انحناءات يُحتّمها المكان. انحناءات اجساد جسّدتها خطوط صغير مستوية وحادّة.

7-4.jpg

لا انفصال بين مروان عبدالعال الروائي والفنان التشكيلي. وأثر غسان كنفاني حاضر في رسوماته كما في رواياته. جاورت «أم سعد» في لوحة تحمل فيها «سعدها» هزيلاً، لوحة «فضاء الجوع» حيث الطفلة والطنجرة. ففي غزّة ومنذ بدء العدوان الصهيوني باتت الطناجر رفيقة الأطفال، بدل الحقيبة المدرسية. هي مرحلة ستُطبع في وجدان من عايشها ومازال يعيشها من فلسطينيين في غزّة، وفي وجدان كل إنسان يتمتع بضمير حي.
السخرية بتغيير مقاييس الجمل أو الحصان، إحتلّت حيّزها في لوحة مروان عبدالعال. جسّد الجمل بقائمتين طويلتين يمتطيه مقاتل بالكوفية ومعه بارودة «عتيقة» في لوحة حملت اسماً اشكالياً: «الماضي عاد من هنا». سخرية مُضمرة رسماً وكلاماً. وفي «الحصان ليس وحيداً» جمهرة من أطفال غزّة يحيطون بحصان ارتفع عنقه عالياً وطال، ونبتت له قرون. فتح فاه دفاعاً عن الأطفال. ووقف في اللوحة نفسها حنظلة هزيل الجسد ومراقباً كما حاله على الدوام، وفي مكان آخر مستشهداً إلى جانب ثلّة من الأطفال. في هذه اللوحة دفق من افكار، وتراكم بشري.
هي غرنيكا غزّة بالتأكيد. وغرنيكا الشعب الفلسطيني في أقسى مراحل قضيته ووحشية الصهاينة.

في إحدى لوحات مروان عبدالعال عودة للبدايات إلى زمن الفدائي الأول بالكوفية وبالأبيض ولأسود، للتذكير والذكرى. وعودة إلى بدايات اللجوء والخيمة، إنما خيم غزة باتت ملونة ومحلية الصنع، وغابت عنها بصمة الأونروا، وحملت اسم «الخيمة الأخيرة».

مروان عبدالعال في رواياته ولوحاته يسرد فلسطينه، ومكان عائلته الأول في الغابسية، حتى وإن ولد في لبنان قبل عشرية النكبة الأولى بسنة. بخلاف ما تابعناه على غلافات كتبه من خطوط وألوان ذات طابع هادىء، لافت في معرضه «ألوان مُعلّقة» ذاك التكثيف في الألوان. فلوحاته جميعها تقريباً مشبعة بالألوان. ومتداخلة في لون يتداخل مع أخر أو ينصب فوقه.

يشرح مروان عبدالعال السبب في اختياره اسماء لافتة للوحاته ومدى تأثرها برواياته فيقول: تعبّر اسماء اللوحات عن شيء ما بداخلي. هي ظل الأشياء الذي يحمل لوناً شعرياً. بالتأكيد للروايات أثرها في تلك الأسماء. فلوحة «من هي أسيرة» تعبّر عن البحث الدائم عن سرقات الصهاينة لتاريخنا. حاولوا سرقة «أسيرة» وهي من الألهة الكنعانيين. «أسيرة» هي أم الأرض الفلسطينية، يحيط بها أبناؤها، في مشهد يحاكي كيفية تعاطي الأمهات مع الإبادة المستمرة في غزة. «أسيرة» باللون الأحمر، والأحمر خدّاع، لكنه عنوان الفقد في حاضرنا.

بعد ممارسته فن الرسم لسنوات طويلة قرر مروان عبدالعال أن يقيم معرضه الأول متأثراً برؤيته للفنان الغزّي طه أبو غالي، وهو ينزع خشب لوحاته عن الكانفاس كي يطهي الطعام لأبنائه. وبصورة لطفل من غزّة يجلس على انقاض منزله ويرسم. ولم نعرف ماذا رسم؟

ألوان معلقة افتتح عشية الأربعاء في 30 تموز يــــوليو في «ملتقى السفير» واستمر إلى اليوم.

المصدر / القدس العربي