صادفت يوم أمس، 28 حزيران/يونيو، الذكرى الثانية والخمسين لاغتيال القائد الثوري الجزائري محمد بودية “أبو ضياء”، أحد أبرز رموز الكفاح الأممي، ورفيق درب الشهيد القائد وديع حداد، الذي سخّر تجربته في الثورة الجزائرية لخدمة النضال الفلسطيني من قلب أوروبا.

اغتيل بودية في باريس عام 1973 بعملية نفذها جهاز “الموساد” الصهيوني ضمن حملة الاغتيالات المعروفة باسم “غضب الرب”، بعد أن تحوّل إلى العقل المدبّر لعمليات الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في القارة الأوروبية.

النشأة والتجربة الأولى لمحمد بودية

محمد بودية (1932 – 1973) مقاتل ثوري ومسرحي وصحفي جزائري انخرط في صفوف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ولد يوم 24 شباط 1932 في حي الباب الجديد (من أحياء القصبة العليا) في الجزائر العاصمة.

بعد تلقي تعليمه، تأثر بالتيار الوطني الاستقلالي ثم اهتم بالمسرح حيث التحق بالمركز الجهوي للفنون الدرامية في عام 1954. هاجر بعد اندلاع الثورة إلى فرنسا وانضم إلى فيدرالية جبهة التحرير هناك، شارك في عدة عمليات فدائية جرح في إحداها عام 1956، كانت أكثر عملياته شهرة هي تفجير أنابيب النفط في مرسيليا يوم 25 آب 1958م التي قبض عليه بسببها وحكم بالسجن 20 عاماً. نجح في الهرب من السجن عام 1961م ولجأ إلى تونس.

عمل في فرقة المسرح التابعة لجبهة التحرير الوطني، وفي كانون الثاني عام 1963 أصبح مدير الإدارة للمسرح الوطني وهو أول مسرح أقيم في الجزائر بعد الاستقلال. أسس جريدة «نوفمبر» و«الجزائر هذا المساء».

فكره الثوري

كان محمد بودية متأثراً بالفكر الاشتراكي، وخلال إدارته للمسرح الوطني أرسل العديد من رسائل التأييد إلى حركات التحرر في العالم يؤيدهم فيما يفعلون ويبرز لهم المثال الناجح لثورة الجزائر التحريرية، في 17 تشرين الأول 1964 وجه رسالة تنديد إلى سفارة إسبانيا بالجزائر أدان فيها محاكمة مجموعة ساندوفا، راسل وزير العدل الإسباني في 28 كانون الأول 1964 من أجل إطلاق سراح الشاعر كارلوس لغريزو المدان من طرف محكمة عسكرية خلال دكتاتورية فرانكو.

كان صديقاً أيضاً لأهل المسرح الكوبي وقام بتبادل الزيارات معهم، قرر تخصيص مداخيل الموسم الصيفي للمسرح عام 1964م دعماً لكفاح الشعب الفلسطيني، كان محمد بودية وثيق الصلة بالرئيس أحمد بن بلة، لذلك عارض بشدة حركة التصحيح الثوري التي قامت في 19 حزيران 1965 بقيادة العقيد هواري بومدين، وغادر الجزائر نحو فرنسا.

علاقته بالقضية الفلسطينية

بدأت علاقة محمد بودية المباشرة بالقضية الفلسطينية من خلال تردده على ممثل منظمة التحرير الفلسطينية في الجزائر سعيد السبع، ثم انتقل إلى كوبا وهناك التقى مع الشهيد الرفيق القائد وديع حداد المسؤول العسكري للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وقرر بعد هذا اللقاء وضع خبرته السابقة خلال الثورة الجزائرية في خدمة النضال الفلسطيني، ولتنمية قدرته قرر الانتساب إلى جامعة باتريس لومومبا في موسكو (جامعة الكي جي بي) وهناك تدرب على مختلف التقنيات التي لم يكن يعرفها، تعرف محمد بودية  في موسكو على شاب فنزويلي متحمس للنضال ضد الإمبريالية في العالم، كان هذا الشاب هو كارلوس (ابن آوى) ولم يجد محمد بودية صعوبة في تجنيده لصالح القضية الفلسطينية، كما نجح في إقناع كثيرين بعدالة قضية فلسطين وساهموا بخبرهم في دعم النضال.

عاد محمد بودية إلى باريس في مطلع السبعينيات بصفته «قائد العمليات الخاصة للجبهة الشعبية في أوروبا» واتخذ اللقب الحربي «أبو ضياء» الذي أطلقه عليه الرفيق القائد وديع حداد، حيث كان أول عمل قام به هو التنسيق مع الجماعات اليسارية الأوروبية مثل الألوية الحمراء الإيطالية، مجموعة بادر ماينهوف الألمانية، الجيش الأحمر الياباني، ثوار الباسك، الجيش الثوري الأرمني.

وجد محمد بودية نفسه في ميدان يعشقه بشدة، كان المدبر الرئيسي لجميع عمليات الجبهة الشعبية في أوروبا في مطلع السبعينات كما ذكرت تقارير المخابرات الفرنسية والبريطانية والسي آي أيه والموساد، ومع ذلك لم يثبت ضده أي دليل يدينه، وكانت المخابرات الفرنسية حائرة بشدة في أمره حيث كان يبدو عادياً جداً في النهار ومشغولاً ببروفات مسرحية برفقة ممثلين، لكنه كان رجلاً آخر في الليل.

أبرز عملياته
•    التخطيط لإرسال 3 ألمانيات شرقيات إلى القدس لتفجير عدة أهداف صهيونية
•    تفجير مركز “شونو” بالنمسا؛ الخاص بتجميع يهود الاتحاد السوفياتي المهاجرين إلى الكيان الصهيوني.
•    تفجير مخازن صهيونية ومصفاة بترول في روتردام بهولندا.
•    عملية اختطاف طائرة صهيونية في مطار اللّد (بن غوريون) غربي القدس، في الثامن من مايو/أيار 1972.
•    عملية خلية الجيش الأحمر اليابانية ضد طائرات صهيونية في مطار اللد “بنغوريون”
•    تفجير خط أنبوب بترولي بين إيطاليا والنمسا في الخامس من أغسطس/آب 1972.
•    مشاركته في عملية ميونخ أثناء الأولمبياد عام 1972، باستضافة أفراد الكوماندوز الفلسطيني قبل العملية ثم قام بتهريبهم وإخفائهم.

اغتياله

بعد عملية أولمبياد ميونخ أطلقت رئيسة وزراء الكيان آنذاك المجرمة “غولدا مائير” وبإشراف من الموساد؛ عملية “غضب الرب”، والتي تضمنت لائحة “إكس 12″، التي تقضي بتصفية 12 اسما من القيادات الفلسطينية في جميع أنحاء العالم.

وكان بينهم وديع حداد وأبو حسن سلامة ووائل زعيتر وباسل الكبيسي ومحمود الهمشري، وجاء اسم محمد بودية في القائمة باسم “الرجل ذو الألف وجه”.

وفي صباح 28 يونيو/حزيران 1973، استشهد الرفيق محمد بودية بعملية مدبرة من أيادي الغدر الصهيونية وبمشاركة من جهات أمنية فرنسية بانفجار سيارته التي كان يستقلها أمام المركز الجامعي لشارع فوس برنار في باريس، حيث كان يركن سيارته “رينو 16” التي تم تفخيخها مسبقاً على يد عناصر من الموساد الصهيوني.

وتولى حينها القاضي الفرنسي جون باسكال التحقيق في الحادثة، “ولم يتوصل إلى أي نتيجة”

وذكرت تقارير صهيونية بعد 12 سنة من اغتيال بودية أن الضابطة “سيلفيا رافائيل” كانت قائدة فريق الاغتيال، وهي “الجاسوسة رقم 01″، وقتلت -وفق التقارير- عام 1985 برصاص أحد رجال منظمة التحرير الفلسطينية، عندما كانت مع اثنين من عملاء الموساد الآخرين على متن يخت في لارنكا القبرصية.

لكن تحقيقات أثبتت أن الجاسوسة سيلفيا أكملت حياتها في جنوب أفريقيا مع زوجها المحامي النرويجي أنيوسش جودت؛ المدعي العام السابق في المحكمة العليا في أوسلو، حتى وفاتها عام 2005، ودفنها في مقبرة الكيبوتس بالقرب من بلدة قلقيلية الفلسطينية (في الضفة الغربية)، وكتب رئيس ديوان رابين سابقا في جريدة يديعوت أحرونوت في الثالث من أكتوبر/تشرين الأول 2005 “كان محمد بودية إرهابيا حقيقيا”.

دفن جثمانه في مقبرة القطار بالجزائر العاصمة، أما «كارلوس» الذي خلف بودية في منصبه فقد سمى عملية مطار “أورلي”  في باريس عام 1975م ضد طائرات العال الصهيونية باسم «عملية الشهيد محمد بودية».