في الوعد الصادق أشدّ القادة دهاء، ممّن يتقن إدارة الحروب وفنونها ، يدري أنّ أيّ معركة مهما كانت، تملك عدّة سقوف وضوابط، تمليها قاعدة جلب المنافع وأساسًا درء المفاسد، سواء تلبّس الأمر نفسًا ملحميّا. هي بين ملحميّة عقلانية وفوضوية عبثية والإيرانيون يحسنون اتقان الدور ويفقهون معاني الملحمية حين يصبح الهدف افتكاك الحقوق ولنا من الحرب المفروضة الاولى محطات ومشاهد يمكن للباحث الرجوع اليها .
كان الردّ واجبا مع بداية المعركة واصبح وازنا وما عاد للكيان مركزية في المنطقة فقد أهانته صواريخ ايران وعرّته داخليا وعبثت بأمنه الحيوي وكشفت حقيقة ضعفه. وغرب آسيا لن يكون مزرعة للصهيونية بعد هذا الحدث .بل يدور الكلام الان حول الاضرار الاستراتيجية لبقاء هذه الغدة السرطانية .
أراد ترامب بضربة المواقع النووية الثلاثة أخذ زمام المبادرة وانهاء المعركة بالتوقيت الامريكي وشروطها وبمسارعة النتن الى التظاهر بنشوة الانتصار كان من الواضح رغبته الشديدة الخروج من المأزق الذي وضع فيه الكيان ولا يزال ينزفه على جميع الاصعدة والجميع يعلم، بما حصل من قصف دقيق ، حالة الانهيار التى وصل اليها الكيان. اراد ترامب بهذه الضربة ان يجعلها طوق نجاة لاخراج الكيان بأقل الأضرار من هذه الحرب بعد أن بان وانكشف ضعف تمسك مستوطنيه بهذه الأرض وعدم تحملهم ضريبة ما يخططه النتن ياهو .
من المفارقات العجيبة أن هذه الضربات احتاج فيها الامريكي الى 30 طن لقصف فردو في حين نفذ الكيان المجرم ضربته على السيد الاقدس ب80 طن من المتفجرات .
دخلت ايران معركة الدفاع عن النفس بحساباتها وامكانياتها الذاتية دون تعويل على احد رغم ان المعركة لها ارتدادات اقليمية ودولية كبيرة منها للمسلمين والعرب ومنها للصيني والروسي الذي يراوح في معركته.
كان لإيران شرف مواجهة الكيان وأحزمته الغربية والعربية المطبعة وضرب الإحتلال في المقتل زمنا ومكانا وكسر حاجز الخوف لدى شعوب المنطقة التي تتصور استحالة مواجهة هذا البعبع الخطير بما حصل في غزة وجنين ولبنان وسوريا.
يدرك الإيراني الذي يلاعب خصومه من درجات عدّة ومستويات متعدّدة، دقائق الأمور، فيتجه إلى التحرّك بكلّ لين وهدوء لكن بفاعلية، على قاعدة تحقيق أفضل الخطوات بأقلّ كلفة، إن لم تجلب له الخطوة منافع عدّة.يتقن العقل الإيراني مفهوم الزمن كامل الإدراك مفهوم الزمن سواء كان ذلك قراءة أو تحليلا أو عند إتّخاذ القرارات، وخاصّة لحظة التنفيذ، وأهمّ من ذلك عند تحليل النتائج. خاصّة وأنّ هذا العقل يتحرّك ضمن اهداف عديدة منها تكتيكي وآخر استراتيجي .
لإيران حسابات وتجارب كما لا يمكن لها أن تتحمل أعباء مسؤوليات غيرها بحرب يدفع فاتورتها فقط شعبها وما راهنت عليه إيران وكانت تنتظره منذ انطلاق طوفان الاقصى حين رفضت دخول الحرب مباشرة كان صائب فهي ترغب بجر العدو الى مربع تحسن فيه القتال.
هذا ما حصل بالفعل الان بمعركة تديرها بضربات استنزافية حتى لا يستطع ترامب تسجيل نقطة النهاية بما يُضمره في حسابات الربح السخارة بالحساب الامريكي. على هذا ستكون الخاتمة لتوقيت طهران .
إن صورة الانتصار التي أراد ترامب تسويقها عند فجر اليوم للكيان المرعوب سرعان ما اضمحلت بمجرد بداية ظهور الحقائق على الأرض وتسريب معلومات لوساطات استعملها ترامب لتمريرها الى إيران بأن الضربات ستكون استعراضية دون تداعيات خطيرة لا تورط واشنطن ولا تخسر طهران فكان رد صباح اليوم رسالة تحدي جديدة لتحطيم معنويات الصهاينة والاخذ بزمام المعركة من جديد.هذه الأحداث سيكون لها أثرا مباشرا وكبيرا على باقي ملفات المنطقة بين غزّة ولبنان وسوريا واليمن والعراق .
أما الآثار الغير مباشرة فهي على شعوبنا خصوصا شبابها الذي يعيش الأحداث بتفاصيلها بعد أن خلنا هذه الطبقة غير معنية بالقضية الفلسطينية. ستعمل هذه المواجهة على رصّ الصفوف لتخلق محورين لا ثالث لهما.
كسبت ايران بلطف الله وحنكة قيادتها تماسكها الداخلي واسترجعت جمهورا اسلاميا سنيا وشيعيا وكسبت مسيحين وعرب وغربيين شرفاء وأحرار من جميع أنحاء العالم وهذا ما لم يكن في الحسبان.
إن ترتيب عالم جديد أمرا ليس بالسهل وعلى الجميع تحمل مسؤولياته ويفتك حريته وإن من مجاهل الغيب. تبقى المعركة كبيرة وطويلة لنيل الحقوق والمعارك ذات الأبعاد الدولية يجب أن يتحمل فيها كل طرف مسؤولياته وسيحسن الإيراني إدارتها ويبقى حق الرد على الأمريكي يكفله القانون الدولي ودساتير الدولية والمجد والخلود للشهداء الابرار.
حسن فضلاوي