خسارة عامين بين الركام والحرمان..
حين يُسرق الغد: دماء العدوان تُزهق أقلام وأحلام طلبة “التوجيهي” في غزة
أحمد زقوت
السبت 21 يونيو 2025 | 12:00 م
خاص_ بوابة الهدف الإخبارية – قطاع غزة
وسط ركام المدارس، وخيام النزوح، والمآسي اليومية التي خلّفها العدوان الصهيوني المتواصل على قطاع غزة، يعيش آلاف الطلبة من الفئة العمرية الأكثر تأثراً حالة من الحزن والانكسار، بعدما حُرموا من التقدم لاختبارات الثانوية العامة للعام الثاني على التوالي، التي انطلقت صباح اليوم السبت في الضفة المحتلة وعدد من دول الخارج.
ورغم أن الثانوية العامة تُعد مرحلة مصيرية في حياة الطلبة، فإن العدوان المستمر لأكثر من 620 يوماً، دمّر كافة مقومات التعليم في القطاع، واستهدف البنية التحتية للمدارس، وشرّد الغالبية العظمى من الطلاب والمعلمين، وترك عشرات الآلاف من الطلبة دون مقاعد دراسية حقيقية، من بينهم عشرات الآلاف حرموا هذا العام من خوض الامتحانات النهائية، بسبب ظروف الحرب
واضطرت وزارة التربية والتعليم ب غزة إلى تأجيل الاختبارات النهائية لطلبة “التوجيهي” مرارًا بسبب تدهور الأوضاع الأمنية وتدمير البنية التعليمية، مما يهدد مستقبل الطلبة، إذ كان من المقرر بدء الامتحانات في 13 أبريل/نيسان الماضي، لكن عقب استئناف العدوان في 18 مارس/آذار، أُجّلت الامتحانات، ما أثار موجة من الإحباط واليأس بين الطلبة.
الطب الذي تحطّم
تروي الطالبة سلمى أبو عون مواليد عام 2006، من حي النصر بمدينة غزة، تفاصيل حلمها الذي تهاوى تحت ركام الحرب، إذ كانت تستعد لعام مصيري، تُمنّي النفس بأن تلتحق بكلية الطب، وتُحقق طموحها الذي لطالما تغذّى على الاجتهاد والمثابرة، لكن الحرب باغتت أحلامها كما باغتت طفولتها.
تقول أبو عون بحسرة لـ “بوابة الهدف“: “كنت أحلم بأن أدرس الطب، وكنت أستعد نفسيًا لعام مصيري، لكن الحرب دمّرت كل شيء، حيث لا مدرسة، ولا كتب، ولا أمن، وحتى المعلمون، إما استشهدوا أو نزحوا مثلنا”، مضيفةً أنّ “كل شيء تبدّد فجأة، إذ استيقظنا على صوت القصف، وهربنا بأرواحنا، وتركنا خلفنا كل شيءـ دفاتري، كتبي، وذكرياتي”.
وتشير الطالبة، إلى أنّ “المدرسة التي كنت أعتبرها بيتي الثاني تحولت إلى ركام، وزملائي تفرّقوا في أماكن النزوح، بعضهم لا أعلم إن كانوا ما زالوا على قيد الحياة”، مبينةً أنّها حالياً تجد نفسها في خيمة صغيرة تأوي أسرتها، وتفتقر لأبسط مقومات الحياة، وتحاول أن تذاكر من صفحات ممزقة أو مقاطع مصورة تصلها بصعوبة عبر الإنترنت المتقطع.
انتظار بلا نهاية
ووسط خيمة صغيرة أقيمت على عجل داخل أحد مراكز الإيواء غربي مدينة غزة، تجلس الطالبة رغد البيك، وتقلب كتبها القديمة التي نجت من تحت الركام، فيما يُخيّم على ملامحها مزيج من الحزن والخيبة، حيث كانت تستعد لتقديم امتحانات الثانوية العامة هذا العام، لكنها كآلاف الطلبة في غزة، حُرمت من حقها الطبيعي في التعليم بسبب الحرب.
تؤكد البيك لـ “الهدف“، أنّه “منذ بداية السنة الدراسية، كنت أهيئ نفسي لمرحلة مصيرية في حياتي، وكان هدفي واضحًا هو أنجح في التوجيهي وأدخل الجامعة، لكن العدو سرق كل شيء، فالمدرسة تدمرت، والبيت قصف، وحتى الأمل تدمر.”
وتتابع البيك بأسى: “كنا ننتظر في كل مرة أن تعلن وزارة التربية والتعليم عن موعد الامتحانات، ونتمسك بأي بارقة أمل، لكننا في كل مرة نتفاجأ بتأجيل جديد، لقد ذهب تعبنا ودراستنا وتحضيراتنا سُدى”، مشيرةً إلى أنّ “الطلاب ليسوا مجرد أرقام تُعدّ في التقارير، نحن بشر نحمل أحلامًا وطموحات، ومن أبسط حقوقنا أن نحظى بفرصة عادلة لتقديم الامتحانات، تمامًا كما يفعل أقراننا حول العالم”.
وتعيش رغد مع أسرتها في ظروف معيشية قاسية، بعدما شُرّدوا قسرًا من منزلهم في شمال قطاع غزة، وبرغم قسوة النزوح وضيق الحال، تحاول جاهدةً التمسك بحقها في التعليم، موضحةً أنّها وسط الوضع المأساوي إلا أنّها كانت تقاوم الواقع الصعب لتحافظ على حلمها، لكن حجم الظلم أكبر من قدرتها على الاحتمال.
وتلفت البيك إلى أنّ حلمها، الذي تمسكت به بشدة، بات اليوم مهددًا بالضياع، حيث كانت تطمح إلى دراسة الصحافة لتكون صوتًا صادقًا للناس، تنقل معاناتهم، لا سيما الأطفال والشباب الذين فقدوا أحلامهم تحت وابل نيران العدوان، غير أن الواقع المرير يهدد حتى هذا الحلم الصغير بالانهيار.
حلم جامعي معلق
وفي واقع مأزوم وتحت نيران الاحتلال الصهيوني، يعيش الطالب أحمد حرارة حالة من الترقب بين حلم مؤجل ومستقبل غامض، بعدما كان من المفترض أن يُنهي مرحلة الثانوية العامة هذا العام، لولا أن العدوان المستمر حال دون ذلك، وقوّض كل محاولاته للاستمرار في مسيرته التعليمية.
يقول حرارة في حديث لـ “الهدف“: “تأجلت امتحانات التوجيهي عدة مرات، وفي كل مرة كنّا نتهيأ نفسيًا ودراسيًا، ثم نتفاجأ بالإلغاء، وهذا الوضع أثّر بشكل كبير على حالتي النفسية، وأدخلني في دوامة من الإحباط”، موضحاً أنّ “بيت عائلتي تعرّض للقصف وتدمّر، ونزحنا أكثر من مرة خلال العدوان، ومع ذلك، تمسّكت بدراستي وواصلت المذاكرة في مراكز الإيواء مستغلاً أي زاوية توفر لي الحد الأدنى من التركيز”.
ويعبر حرارة عن مرارة المقارنة بينه وبين أقرانه في الضفة المحتلة، لافتاً إلى أنّ “زملائي في الضفة سيقدّمون امتحاناتهم هذا العام، بينما أنا في غزة أنتظر المجهول، وكل جهدي صار مهدّد بالضياع، لأننا كلما اقتربنا من موعد الامتحان، نفاجأ بتأجيل جديد”.
ويختم بقوله: “حلمي الجامعي متوقف، ومستقبلي بالكامل معلّق على امتحان لا نعرف متى سيُعقد، ولا إن كان سيُعقد أصلًا، وكل يوم يمرّ نشعر بأن الزمن يمضي بنا إلى الخلف، بينما العالم يتقدم”.
طلاب ومعلمون في مرمى القصف
وفي الإطار ذاته، أكد الناطق باسم وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، صادق الخضور، أنّ حرمان طلبة غزة من تقديم امتحانات التوجيهي للسنة الثانية على التوالي يعود مباشرة إلى العدوان المستمر، مؤكداً أنّ الطلبة من مواليد 2006 و2007 كان من المفترض أن يمتحنوا في 2024 و2025، لكن الحرب حالت دون ذلك.
وأشار الخضور، في تصريحات، إلى أنّ عدد الطلاب المتوقعين كان نحو 78 ألفًا، استشهد منهم حوالي 4 آلاف وغادر 4 آلاف آخرون القطاع، ليبقى نحو 70 ألف طالب، مبيناً أنّ الوزارة أعدت خطة متكاملة لعقد الامتحانات، وكان من المقرر إجراؤها في أبريل الماضي، لكن تجدد العدوان أوقف كل الترتيبات.
وشدد الخضور على التزام الوزارة بعقد الامتحانات فور توفر الظروف المناسبة، مؤكداً أن توفير الأمان يشكل الركيزة الأساسية، وأن تجميع الطلاب في مراكز الامتحان حالياً يشكل خطراً كبيراً بسبب استهداف الاحتلال المتكرر لمراكز الإيواء.
وفي غزة، استشهد أكثر من 16,470 طالبًا وأصيب 25,374، بينما في الضفة استشهد 137 وأصيب 897، إضافة إلى اعتقال 754 طالبًا، كما استشهد 914 معلمًا وإداريًا وأصيب 4,363، مع اعتقال أكثر من 196 في الضفة.
أحمد زقوت
مُحرر ومُعد تقارير – بوابة الهدف – غزة
