“لو عرض علي استعادة فلسطين دون صفد لما قبلت ”
بهذه الكلمات التي قالها يوماً وديع حداد أو كما يحب أن يسميه رفاقه ” الخال ” نستطيع أن نصل إلى أعماق تفكير ” الخال ” في الإستراتيجية الثورية التي يتبعها وهي نظرية الثورة الشاملة المفقودة الآن إن صح التعبير في زمننا هذا.ولد الدكتور وديع حداد في عام 1927 ، وكان دوما ينتمي إلى الحل الإستراتيجي المتمثل في فلسطين كل فلسطين دون ذرة تراب ناقصة ، وعمل على هذا وسار نحوه حين أسس مع الحكيم جورج حبش ورفاق آخرين حركة القومين العرب التي انبثقت عنها الجبهة الشعبية ، والتي من خلال منظمة الجش عمل في المجال الخارجي وكان من رواد العمل النوعي فكانت عمليات خطف الطائرات والتي تؤكد وجودنا أمام شخصية ثورية قيادية فذة لا تسعى فقط من خلال الطرق التقليدية للثورة لدك معاقل الإمبريالية ، فلم يحصر عمله في خطف الطائرات والتي أثمرت في أولى عملية منها إلى أول عملية لتحرير الأسرى في تاريخ الثورة المعاصرة بل تعدى ذلك في سياق فهم الجبهة الشعبية للمعسكر الأعداء في عملية أوبك.وفي الحديث عن الدكتور وديع حداد يذكر دوماً حادثة فصله من الجبهة ، إثر معارضته للقرار إيقاف العمليات الخارجية ، وهنا وبعد هذه السنين لربما كان هذا الخطأ الكبير في فصل الخال وإيقاف تلك العمليات ، وهي التي شكلت نقطة قوة للجبهة والثورة وترجمت الفعل الثوري المقرون بالوعي وقراءة الوقائع.
إلا أن ” الخال ” ورغم الفصل بقي وفياً للجبهة وملتزماً بالنظام الداخلي الذي يعتبر دستورا لا يمكن مخالفته ليعطينا صورة أخرى في الانضباط ويذكر أن وديع حين سؤاله عن موضوع الفصل يقول: (نعم أنا عضو في الجبهة الشعبية برتبة مفصول)
أعيد الاعتبار لهذا الفارس والقائد في المؤتمر الوطني الرابع للجبهة الشعبية عام 1981
من فلسطين إلى اليمن : وراء العدو في كل مكان
لم يكن وديع حداد صاحب شعارات فضفاضة وتتسع لكل شيء ما عدا الفعل الثوري ، بل كان قائد يصنع العمليات والعملية هي من تصنع الشعار ، وهنا نذكر عملية كورال سي التي نفذها ثوار الجبهة الشعبية بقيادة وديع حداد حيث اُسْتُهْدِفَت حاملة النفط كورال سي في باب المندب ، ولعلنا هنا نذكرها بعدما أعلن اليمن العربي عن منع الملاحة للسفن المتوجهة للكيان في باب المندبوهنا يعاد لأذهاننا نهج الخال “وراء العدو في كل مكان ” والذي أدركه رجال اليمن ليبقى حيا فكرة وفعل في نفوس الشرفاءولربما يتبادر للذهن بعد الحرب التي تشتعل بين إيران والإمبريالية وأدواتها في المنطقة ماذا لو كانت عقلية وديع حداد حاضرة هناك في إيران ومع التقدير كله للفعل الثوري الإيراني الذي يسطر دروساً في الصمود ومعنى أن لا تكون الدول ضمن الهيمنة الأمريكية والارتهان لها ، يجيب حديث النفس للنفس لو أن هذا القائد موجود لاتجه إلى النظرية الشاملة وإغلاق مضيق هرمز مباشرة ، لكننا نعلم أن هناك في إيران قادة ومحللين يمكنهم قراءة المشهد ، ولكنها هي النوستالجيا والحنين إلى القائد وديع حداد تجعلنا نسقط الأحداث على وجوده في ظل افتقارنا للفارس العربي الذي يجيد قراءة الواقع وفعل العمل المناسب بكل بسالة.في تاريخ 28/3 من عام 1987 نجحت ” إسرائيل ” في اغتياله حسب اعتراف الموساد، بالتعاون مع المخابرات الأمريكية، وأجهزة مخابرات عربية عن طريق السم.
لعلنا نتذكر القائد وديع حداد في هذه الأيام لأنه كان رجل الظل رغم شمسه الواضحة في الفعل الثوري إلا أنه كان رجلاً لا يحب الظهور الإعلامي وهذا ما جعل محاولات اغتياله العديدة تفشل ، ونتذكر في هذا الوقت الرجل النبيل الصادق الذي ترجم مع رفاقه في السبعينات معنى جبهة المقاومة الواحدة التي تجمع مضطهدي العالم على اختلاف الأعراق والدين وهنا نذكر عملية اللد التي قام بها بالتنسيق مع الجيش الأحمر الياباني والتي صداها ما زال يتردد في عقل الصهيونية وإعلامها ، وكذلك نتذكر ” مظفر ” الثائر الإيراني
قد شكل وديع حداد ” الخال ” من خلال تجربته أن العدو لا يفهم إلا لغة القوة، ولا يحترم إلا القوي، وهذا ما حصل عندما كانت الكثير من الدول الغربية ترسل الرسائل كي لا يضرب مصالحها وتستجيب لشروطه في الكثير من الحالات.
وقد شكل وديع حداد أيضا مبدأ الندية في التعامل مع الحلفاء وهذا ما نفتقده في عصرنا الحالي حيث لا توجد إستراتيجية واضحة في التعامل مع الحلفاء ونغرق في الشعارات وهذا يرجع إلى السبب عدم وجود مشروع عربي موحد مما يدفع حركات المقاومة كلٌ على حسب أيديلوجياته أن يساق في ركب مشاريع الآخرين، ولربما أيضا في الحركة نفسها تجد أعضاء في مشروع وأعضاء آخرين على نقيض المشروع الأول.
وفي تنويه أخير عن الخال تميّز وديع بدقة التخطيط ووضع الاحتمالات والإجابة عنها ولم يترك أي مسألة إلا وأجاب عنها بشكل علمي، وبعد دراسة عميقة، بعيدا عن الارتجال والعاطفة ، لأن الثورة تقاد بالفكر والوعي قبل الشعارات والسير في ركبها دون حساب النتائج بالدقة.
وأخيراً : ما شكله وديع حداد من فعل وقوة لا يمكن لنا إلا أن نقف عنده ونعمل على استقراء التاريخ لعلنا ننهض بالتجربة النوعية التي شكلها.
محمد بربراوي_فلسطين 🇵🇸