منذ أن تجلّت الوحدةُ اليمنيةُ في ٢٢ مايو، عام ١٩٩٠م، وهي شوكةٌ في حلقِ المستكبرين، وقلعةٌ عصيّةٌ على التقسيمِ والانكسار.
لم تُطِقْها أمريكا، ولا رُضيت بها إسرائيل، فكان لا بدّ من مؤامرةٍ بدأت في صيفِ ١٩٩٤م، فكان أول خلاف بين العالم الرباني بدر الدين الحوثي، رضوان الله عليه، وعلي عبدالله صالح، رئيس النظام العميل في اليمن، وتم استهداف منزل العالم الرباني بالمدفعية.
ثم جاءت ثورةُ الواحدِ والعشرين من سبتمبر ٢٠١٤، بقيادةِ السيّد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي ـ يحفظه الله ـ لتُجدّدَ ميثاقَ الوحدة، وتُسقطَ الوصاية، وتؤسسَ لسيادةٍ لا تُشترى ولا تُقايَض.
فما كان من الاستكبارِ العالميّ إلا أن شنَّ عدوانَه الهمجيّ، تحتَ مسمّى “عاصفة الحزم”، لا من أجل الشرعية كما زعموا، بل لتمزيقِ الوحدةِ اليمنيّة، وضربِ روحِها الثوريّة التي بدأت تطرقُ أبوابَ القُدس.
لكنّ يدَ اللهِ فوق أيديهم، واليمنُ الذي وحدتهُ الدماءُ والكرامة، أصبح اليومَ سيفًا مشرعًا لغزّة، ودرعًا صلبًا للقدس، وأملًا تُراهنُ عليه الأمّة، وصوتًا نقيًّا للإنسانيّة.
من الوحدةِ اليمنية إلى غزة… من صاروخِ “طوفان” إلى “طوفان الأقصى”
لقد تجاوزت الوحدةُ الجغرافيا، وتخطّت الخرائط.
لم تَعُد قطعةَ أرضٍ مرسومةً بالحبر، بل صارت روحًا تسكنُ فلسطين، وتقاتلُ هناك في غزّة، وتؤازرُ من صنعاء، وتُقاتلُ في باب المندب، وتُضيءُ من كمران.
قناديلُ حين أضاءت البحرِ الأحمر، وخليجِ عدن، والمحيطِ الهندي، تتوهّجُ اليوم لتُشعلَ المدى العربيّ نورًا نحو فلسطين.
في بابِ المندب يشتعلُ الأمل، وفي مرفأ إيلات صفاراتٌ تُدوّي، وفي مطارِ “بن غوريون” وميناءِ حيفا، أزيزُ الصواريخِ أصدقُ أنباءً من وكالاتِ الكذبِ الغربي.
من البحرِ الأحمرِ فرَّ البُعبُعُ، تقهقرت حاملاتُ الطائراتِ الأمريكية، أمامَ صاروخٍ يمنيٍّ لا يُرى… ويُرعب.
لقد غادرت الغطرسةُ مياهَنا، لأن اليمنيّ الذي وحدته القضيّة، أصبح لا يُجاملُ في جغرافيا ولا في كرامة.
من جزيرةِ كمران خرجَ صوتٌ أرعبَ العالم، لا يُطلقُ الشعاراتِ عبثًا، بل يُطلقُ صواريخَ تكتبُ البيانَ الأخير.
لِمَن تُضِيءُ هذه القناديل؟
لمن كلُّ هذه القناديلِ تضوي لمن ؟ أهي لِعُشّاقِ البحرِ؟ أم لِقُبُطانِ المرافئ؟ لا. بل هي قناديلُ الوحدةِ اليمنيَّةِ تُضيءُ للقدس، لليمنِ الذي أوقدها، وللأمّةِ التي تنتظرُ النور.
الوحدةُ اليمنيّة… ليست خريطة، بل راية
ليست وثيقةً، بل وعيٌ وولاءٌ ومسيرٌ نحو فلسطين.
صرخَ صاروخُ “فلسطين” من صنعاء ،باسم الوحدة اليمنية: “لن ترى الدنيا على أرضي وصيّا!” ومن قلبِ هذه الوحدةِ، من نبضِ المسيرةِ، يُرسمُ اليومَ دربُ التحرير: من يافا إلى صعدة، ومن بيتِ المقدسِ إلى تعز.
نَبْضُ أهدافِ الوحدةِ… المسيرةُ نحو يافا
لم تَعُدِ الوحدةُ اليمنيّةُ مجرَّدَ هدفٍ سياسيٍّ تُناقشه المؤتمراتُ، أو بندًا هزيلًا في جداولِ المفاوضاتِ العقيمة، بل غدت مشروعًا جهاديًّا حيًّا، تتنفَّسه غزَّة، وتُصلِّي به القدسُ، ويشتاقُ له الأقصى. مشروعٌ تَجَلّى في صاروخٍ فلسطينيٍّ صاحَ في وجهِ العدوِّ: “أنا ابنُ اليمنِ، من صعدةَ وصنعاءَ والحديدةِ، من مسيرةِ الوحدةِ التي لم تخنْ عهدًا، ولم تُساوِمْ على قضيّة، ولم تَعرضِ القدسَ في مزادِ التطبيعِ والعار”.
إنها وحدةٌ تَنبُضُ بطائرةٍ مُسيّرةٍ انطلقت من صنعاءِ العروبةِ نحوَ “يافا”، فبلغت عمقَ الكيانِ، وأرعبت نتنياهو في عقرِ ملجئه… إنها الوحدةُ حين تتحوَّلُ إلى سيفٍ يقطعُ أوصالَ الغزاة، ودرعٍ لا يَثلمُهُ الزمانُ ولا يُخترق.
وختامًا…
الوحدةُ اليمنيّةُ أقربُ إلى القُدسِ من حيفا، وأصدقُ في وعدها من كلّ المعاهدات.
هي اليومَ وعدُ الأنبياءِ، وعهدُ الأحرار، ونبضُ البحرِ الذي تُضيئه القناديل…
فلا تسأل: لِمَن تُضَوِّي؟
فكلُّ نورِها لفلسطين.
عدنان عبدالله الجنيد