في الذكرى السنوية لمنتدى شباب سيف القدس، الذكرى السنوية لتأسيس هذه العائلة الفكرية الحرة،أستذكر ما كنت قد كتبته مرة في واحدة من مقالاتي على موقع طوفان، أن الأب ليس هو الوالد، فالوالد هو ما يكون بسبب العلاقة البيولوجية، أما الأب فهو صاحب المنهج والطريقة.
وبما خبرته خلال هذه السنة، أن هذا الأب الجليل الذي جمعنا اليوم، وعلى مدار السنة، هو صاحب منهج علمي أخلاقي. قد نظن بأن الكلمة بسيطة: “علمي أخلاقي”، ولكن، إذا ما نظرنا حولنا إلى كافة المناهج فإنها قد تتصف بالعلمية فقط أو قد تتصف بالأخلاقية دون العلمية.
وإنني أجد من النادر أن يجمع منهج بين هذين الصفتين.
يقدم الأب المعلم، الأستاذ ناصر منهجاً رياضياً في تفسير الظاهرة السياسية، عمل على تقديمها كظاهرة قابلة للقياس. وأي شيء قابل للقياس فهو علمي.
ففي منهج الرسم البياني، وفي منهج فائض القوة والقيمة المضافة حسابات محسوسة مُدركة يمكن قياسها بالارقام والوقائع الموثقة، ما جعلها تقدم رؤية شاملة في فهم الموقف السياسي، بل وكذلك إن أردت فبإمكانك فهم مجريات حياتك كفرد من خلال هذه المبادئ. فهي مبادئ سننية بديهية ذكية.

لذلك أقول، إننا اليوم أمام مدرسة فكرية علمية ولسنا أمام رجل يتأمل المشهد وينفعل بحسبما يشعر. وإن ما يميز هذه المدرسة العلمية في السياسة هو اعتمادها على عنصر الحق والحقيقة في ثناياها وجوهرها، وهو العنصر الذي يجعلها مدرسة أخلاقية بامتياز، فماذا اقصد باعتمادها على الحق والحقيقة؟!
كان يمكن لهذه المدرسة الفكرية ان تُمارَس من قبل الاعداء، ولكن السؤال، لماذا يود الأعداء ان يمارسوا مبادئها وهي فاضحة لا تجامل. بمعنى آخر، إن ما يجعل طرح المبادئ الفكرية الموضوعة لهذه المدرسة يميل في صف المقاومة وما يجعلها تورث التعزيز لموقف المقاومة، ليس لأن الأستاذ يميل بقلبه إلى المقاومة، وانما بسبب أحقية القضية وهو المبدأ الثابت الراسخ علمياً وتاريخياً، قبل ان تثبت كل الأركان لهذه المدرسة الفكرية، باختصار، “لو لم تكن المقاومة محقة لكان المنهج فاضحاً لا داعماً”.
وكما سمعنا الاستاذ يصرح بما للمقاومة، فانني اذكره يصرح بما عليها أيضاً، ولكن العلم بمبدأ الحق والحقيقة يجعله بالمؤمنين رؤوف رحيم، والامثلة تحضرني ولكنني لن اذكرها بسبب المقام الذي نحن فيه اليوم.
انا بالعادة لا احب الاطالة واحب الكلام المقتضب، فقبل ان اختم… ما هي الحقيقة؟! ما هي الحقيقة بالمجمل وما هي الحقيقة في المقام الذي نحن فيه؟!
الحقيقة حقيقة، لا فرق ان كانت بالمجمل ام في المقام الذي نحن فيه. ويظن اكثرنا ان الحقيقة هي الشعور العارم بالصوابية، في حين ان الحقيقة هي المطابقة التامة بين الادعاء او التحليل او الدراسة وبين الظاهرة الانسانية او الكونية او السياسية. فمثلاً، هل فلسطين حق لنا لاننا بذلك بقوة؟! ام انها حق لنا لاننا لم نتخلى عن توارث الحقيقة التي اخبرنا عنها اجدادنا انهم كانوا فيها وسكنوها وعمروها ثم قُتّلوا واستُعمِروا والشواهد المادية والصور والقصص كلها تشهد بذلك؟!
فالحقيقة والحق هو التطابق بين الادعاء وبين الظاهرة الكونية الانسانية الخارجة عن ارادة الفرد.
نعم، هذا هو الاصل الذي جعلني في هذه اللقاءات اتوق الى اللقاء بعد كل لقاء، وان كان من سبب لإجلالي لهذا الاب، فهو اجلالي للحقيقة. فهو لم يقدم دغدغةً للمشاعر، بل يقدم علماً بإمكانك من خلاله أن تدقق فيما يقول، وربما بامكانك أن تخالفه يوما ما، وهكذا يكون الفكر حراً، عندما يؤسس لطرقه ويوضحها ويضعها أمام الناس بكل أمانة، وللناس أن يذهبوا ويصادقوا الادعاء بالظاهرة الكونية او الانسانية، فان صمد الادعاء فهو حق، وان لم يصمد فهو محض ادعاء. ولكم صمدت قراءة استاذنا حتى صرنا نراه صِدّيقاً. وهنا يتجلى الجانب الاخلاقي صريحاً ومبدعاً الى جانب المنهج العلمي.
وفي سياق اخر بعيد تماما عن منهج التحليل، كيف ننسى فضل هذا المعلم الذي فرض علينا دون جبر، بل محبة وعنفواناً، سلام القدس، القدس الفلسطينية.

وسلام القدس لكم وعليكم
آدم سرطاوي-كندا