عقد المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين اجتماعه الدوري مستعرضاً آخر التطورات السياسية والميدانية الراهنة في ظل تصاعد حرب الإبادة الصهيونية على قطاع غزة وما يرافقها من تفاقم الأوضاع الإنسانية نتيجة القصف والتدمير المستمر، وسياسات التجويع الممنهجة، متزامناً مع تصاعد العدوان وعمليات الاستيطان والتهويد في الضفة والقدس، إضافةً إلى الحملة الشرسة من التنكيل والقمع ضد الحركة الأسيرة.
وقد توجه المكتب السياسي بتحياته إلى جماهير شعبنا الفلسطيني المقاوم في الوطن والشتات، وخصوصاً غزة وشعبها الصامد والمقاوم لمخططات التهجير والإبادة، وإلى الضفة الثائرة في وجه الاحتلال والمستوطنين، وإلى القدس الصامدة المدافعة عن عروبتها ومقدساتها، وإلى أهلنا في الداخل المحتل الذين يواجهون السياسات العنصرية ويتمسكون بهويتهم الوطنية. كما توجه بالتحية إلى الأسيرات والأسرى الأبطال، وعلى رأسهم الرفيق القائد الأمين العام أحمد سعدات، وإلى المقاومة الفلسطينية بكافة أذرعها وأشكالها، وأحرار العالم الذين يقفون إلى جانب شعبنا، ويواجهون تواطؤ حكوماتهم.
وقد توقف المكتب السياسي أمام التصعيد الصهيوني المستمر في قطاع غزة، حيث يواصل الاحتلال تنفيذ سياسات “القضم والتقطيع” التدريجي، مدفوعاً بدعمٍ أمريكيٍّ مطلق، وتواطؤ دوليٍّ وصمتٍ فاضح، في مسعى لفرض واقع جديد على الأرض، من خلال التوغل والسيطرة على مساحات واسعة من أراضي القطاع، شمل إعادة احتلال أكثر من 30% منها، وإعلانها مناطق عسكرية مغلقة، معتبراً ما يجري من محاولات عزل مدينة رفح عن خان يونس، والسيطرة على الأراضي الزراعية ومصادر المياه المحدودة، والتدمير الممنهج لكل البدائل التي يلجأ لها السكان لتدبر قوت اطفالهم، يأتي في إطار خطة وحشية خبيثة تهدف إلى خنق وتجويع الشعب الفلسطيني، ودفعه للنزوح القسري، في استعادة لمشروع التهجير كأداةٍ رئيسيةٍ لتصفية القضية، ضمن خطة متدحرجة تتضمن تفريغ القطاع ديمغرافياً، عبر تدمير شامل للبنية التحتية، وتوسيع رقعة العدوان، بما في ذلك تصعيد استهداف مقومات الحياة المدنية في جنوب وشمال القطاع.
وتطرق المكتب السياسي إلى ما يجري في الضفة حيث يواصل الاحتلال تنفيذ مشروع “الحسم والضم” عبر تصعيد الهجمة العسكرية، بالتوازي مع ممارسات طاردة تدفع الفلسطينيين قسراً لمغادرة مناطق (ب، ج) من خلال منع البناء، وهدم المنازل، والاعتداء على الأراضي، وزيادة عدد البوابات الحديدية والحواجز، لتحويل الضفة إلى كانتونات معزولة، واهماً أنه يستطيع اختلاق كيانات محلية فيها على عكس الإرادة الوطنية. وإن ما تتعرض له المقدسات الإسلامية والمسيحية، خصوصاً الحرم الإبراهيمي الشريف والمسجد الأقصى من اعتداءات منهجية تهدف إلى فرض وقائع تهويدية جديدة، وإحلال الوجود الاستيطاني على حساب الوجود الفلسطيني الأصيل.
وخلص المكتب السياسي إلى إن التصدي للمخططات الصهيونية وممارساتها القائمة على حرب الإبادة، والتهجير والتصفية لقضيتنا وحقوقنا الوطنية، يتطلب:-
أولاً: اعتبار وقف حرب الإبادة والمحرقة المتواصلة على قطاع غزة وكسر الحصار أولوية وطنية عاجلة، تستوجب مواصلة الجهود على المستويات كافة، واستخدام مختلف الوسائل من أجل ذلك، ولإفشال مخطط التهجير والتصفية التي يستهدفها العدوان المتواصل كتتويج لهذه الحرب الإجرامية.
ثانياً: اجتمعت قيادة الجبهة مع وفد من قيادة حركة فتح، أكدت خلاله على موقفها الداعي لتحقيق الوحدة الوطنية في مواجهة الاحتلال وعدوانه الوحشي، وأوضحت الجبهة أن المدخل الحقيقي لذلك يَتمّثل في إعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني، وإصلاح منظمة التحرير الفلسطينية، كونها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني في كل أماكن وجوده، وضرورة إعادة بنائها واستعادة دورها التحرري على أسسٍ ديمقراطيةٍ وتشاركية، بما يضمن إنهاء نهج التفرد والهيمنة والانقسام، واعتماد الديمقراطية والشراكة في التقرير بالشأن الوطني وبإدارة الصراع مع الاحتلال، مؤكدةً أن عقد دورة المجلس المركزي ليس هو الطريق الأمثل لمواجهة التحديات والمخاطر الراهنة.
ثالثاً: بناءً على ما سبق، قرر المكتب السياسي عدم المشاركة في اجتماعات المجلس المركزي المُعلن باعتباره خطوةً مجتزأة، لا يمكن أن يكون بديلاً عن الخطوات التي حدّدتها جولات الحوار ومخرجاتها المُكررة، والتي جرى تعطيل تنفيذها أكثر من مرة، مع التأكيد على التزام الجبهة بمواصلة الحوار مع حركة فتح وكافة القوى الوطنية والإسلامية من أجل بناء وحدة وطنية قائمة على برنامج واستراتيجية وطنية، وتدعو إلى عقد اجتماع للأمناء العامين يبحث فيه تشكيل مجلس وطني جديد يعكس تمثيلاً وطنياً شاملاً، ومحددات لشراكةٍ وطنيةٍ حقيقية في التقرير بالشأن الوطني، وبإدارة الصراع مع الاحتلال، وتشكيل حكومة توافق وطني.
رابعاً: تدعو الجبهة إلى تشكيل قيادة وطنية موحدة للمقاومة الشعبية تتبنى استراتيجية مواجهة شاملة لسياسات الضم والتهويد ومخططات تفكيك الجغرافيا الوطنية، والتصدي لمحاولات فرض الكانتونات والعزل والحصار على شعبنا، ومواجهة بناء المستوطنات وتثبيتها كأمرٍ واقع كجزء من حربها على الوجود الفلسطيني. وعبر تفكيك المخيمات الفلسطينية، ولا سيما في شمال الضفة المحتلة، وضمن مخطط تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين. والذي يأتي في حظر وكالة “الأونروا”، كما تدعو الجبهة القيادة الفلسطينية إلى اتخاذ خطوات ملموسة تعزز صمود أهلنا في غزة، وتعيد الاعتبار للقطاع كمكونٍ وطنيٍ أساسي، بعيداً عن الاعتبارات الأمنية والإدارية الضيقة.
خامساً: يعتبر المكتب السياسي أن سلاح المقاومة حق لشعبنا لا يجب أن يُمس، وطالما هناك احتلال وجب مقاومته، وهو ما أقرته الشرعية الدولية، ويجب تنظيمه ضمن توافق وطني جامع، واستراتيجية وطنية موحدة تحفظ وحدة القرار بعيداً عن الضغوط والابتزاز.
سادساً: ضرورة الانتباه والحذر من مخططات التهجير “الطوعي” التي بدأ الاحتلال يروّج لها عبر وسائل الإعلام، ومن خلال التواصل المباشر مع المواطنين. ونؤكد على عدم التعاطي مع الإشاعات والحرب النفسية التي يستخدمها الاحتلال لتحقيق هذا الهدف، وكذلك رفض مخططات التوطين والتجنيس.
سابعاً: يؤكد المكتب السياسي على أن إدارة غزة شأن فلسطيني داخلي، يتم عبر حكومة توافق وطني. وفي حال تعذر ذلك، يمكن للجنة الإسناد المجتمعي، التي بادرت بها الشقيقة مصر أن تكون إطاراً مرحلياً مرجعيته السلطة، دون رهن تشكيله بالوجود العسكري للاحتلال أو بالتباينات السياسية والفئوية.
ثامناً: يُقدّر المكتب السياسي دور مصر الشقيقة في رفض مشروع التهجير القسري، وجهودها من أجل وقف العدوان على قطاع غزة، وتمسكها بالحقوق والثوابت الفلسطينية.
تاسعاً: ترفض الجبهة كل أشكال التطبيع والحلول الجزئية، والتدخلات والصفقات الهادفة لتصفية القضية الفلسطينية، وتؤكد أن المدخل لمنع تفجير المنطقة، هو تطبيق قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، وعلى رأسها إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، وضمان حق العودة للاجئين، عبر عقد مؤتمر دولي كامل الصلاحيات، برعاية الأمم المتحدة.
عاشراً: أدان المكتب السياسي الاعتداءات الصهيونية على لبنان وسوريا، والتي تهدف إلى احتلال أراضٍ من البلدين وإخضاعهما للسياسات والمصالح الأمريكية-“الإسرائيلية”. وهو ما يستوجب وحدة قوى المقاومة في البلدين لمواجهة هذه الاعتداءات، وتوفير كل أشكال الدعم والإسناد لها من قبل قوى حركة التحرر العربية.
حادي عشر: يُثمّن المكتب السياسي المواقف البطولية والتضحوية التي يُجسدها أشقائنا في اليمن نصرةً لغزة، حيث يؤكدون وقوفهم المبدئي الصادق إلى جانب شعبنا رغم العدوان والحصار المفروض عليهم، مؤكداً أن العدوان الأمريكي المتصاعد على شعبنا وأمتنا سيتحطم على صخرة صمود شعبنا ومقاومته الباسلة.
ثاني عشر: يتوجه المكتب السياسي بالتحية إلى الحراكات الشعبية والقوى المتضامنة مع شعبنا في عديد من الدول حول العالم، والتي تواصل رفع صوتها رفضاً للعدوان ودعماً لصمود شعبنا في غزة، ويجدد دعوته إلى تصعيد الانتفاضة العالمية من أجل وقف حرب الإبادة الصهيونية على قطاع غزة وكسر الحصار، وتنظيم أيام نضال دولية متزامنة لمحاصرة سفارات الاحتلال والولايات المتحدة، والضغط من أجل تقديم قادة الاحتلال إلى المحاكمة كمجرمي حرب.
وفي ختام الاجتماع، شدد المكتب السياسي على أن الجبهة ستواصل العمل مع كافة القوى والهيئات الوطنية من أجل بلورة مقاربة وطنية شاملة، تسهم في إنهاء العدوان، وتخفيف معاناة شعبنا، وصون حقوقه وثوابته الوطنية غير القابلة للتصرف.