لا شك أن المقاومة في فلسطين بتاريخها الضخم على مدى قرن، وبتعدد تجاربها وأنماطها ومشاربها ومرجعياتها واختلاف زمنها ووقائعها، حاولت بقدر المستطاع والمتاح الاستفادة من التاريخ ودروسه ومن القراءات الاستراتيجية انطلاقا من مرجعيات معينة اختارتها واعتمدتها لتشكل وعيها العسكري والسياسي والاستراتيجي، ولابتداع تكتيكاتها العملياتية وطرائق المواجهة والاستمرار..

ومن خلال رصدنا الدائب لمعاني السابع من أكتوبر واقتفاء آثاره ومكوناته وعناصره تنكشف يوماً بعد يوم مفارقات عجيبة تخص العقيدة العسكرية الغزاوية، ويستبان منها التقاء رموز المقاومة ذات المرجعية الدينية الإسلامية بدروب ودروس وسِير لأمثلة كالزعيم الماركسي ماوتسي تونغ ومنظرين غربيين مناوئين – في الخطط العسكرية وفي حرب العصابات وحروب التمرد – ومنهم من ساهم في صناعة هزيمة العرب مثل لورانس العرب ودايفيد قلالة.وفي متابعتنا لعرض الأستاذ الموريتاني المختص في تاريخ الأديان، “محمد المختار الشنقيطي”، نستشف بوضوح مدى تماثل الرؤيا العسكرية لماو تسي تونغ مثلا والشخصيات التي ذَكَرْت أعلاه، مع الاستراتيجية العسكرية للمقاومة الفلسطينية ذات المرجعية الدينية، مع التأكيد على أنها خلقت فنيات وتقنيات جديدة مستحدثة تنسجم مع زمنها وجغرافيتها وواقعها ومقدراتها وحاجياتها ورؤيتها الخاصة بها دون غيرها. المقاومة في غزة ابتدعت عقلاً عسكرياً فلسطينياً خالصاً بجذور فلسطينية وأيضاً إنسانية متنوعة وضاربة في التاريخ. هي مقاومة تقرأ جيداً وتكتب وتراقب بإدراك عميق وتتعلم بذكاء وبحس رفيع، وتجيد ببراعة عمليات الحساب وتحديد الطوبوغرافيا السياسية والعسكرية في المعركة، وتبتدع ما يناسبها من مجالات التحرك والخطو أماماً أو جنوباً أو شمالاً أو وراءً، وبعمق أمتار في بطن الأرض القصي والعصي وفي عرض البحر المناوئ.

يقول أستاذنا أن ماوتسي تونق يعتبر – في تحديده لمبادئ الخطط الحربية لحرب العصابات – أن أهم مميزاتها هي الحركة، فحرب العصابات متحركة لا حدود جغرافية أو زمنية لها، وهي في الغالب حرب طويلة الأمد، وعنصر الوقت فيها هو أكبر استثمار للمقاومين لأن الزمن يبقى دائماً في صالحهم، وكلما أطال الثوار مدة الحرب كلما كان الربح حليفهم.

أما عن مراحل حرب الثوار أو حرب العصابات يقول ماوتسي تونق زعيم الثورة الصينية، أنها تبدأ أولاً وأساساً ببناء القوة في الخفاء، وهذا ما ينطبق على مقاومتنا في غزة حرفياً، ثم اعتماد مبدأ “اضرب وانسحب” واللعب في حرب المواقع لانتزاع جزء من الأرض ثم التمترس فيه والسيطرة عليه، ويصف هذه الحرب بأنها تعتمد الكر والفر والمباغتة، ليس فيها خطوط دفاع واضحة، فالحدود يرسمها المقاوم حسب ما يراه ويرتئيه، ولا تخضع لرؤية حربية متحجرة أو شروط وتسلسل قيادي، بل هي انسيابية وتتغير بحسب موازين القوى وحسب جهوزية المقاوم. ويقول ماو “حين يتقدم العدو ننسحب وحين يستقر في مكان نستفزه وحين يتعب نضربه وحين يفر نطارده”.. هي مزيج من القتال والسياسة وقواعدها حرة كما حس المبادرة فيها، والتي تبقى بين يدي المتحرك فوق الأرض يعني المقاوم. وفي هذا المنهج يقول ماو تسي تونق الحرب سياسة بالسلاح والسياسة حرب بلا سلاح، فهناك تداخل بين العنصر العسكري والعنصر السياسي.

وهنا وحتى يكون النموذج أكثر وضوحاً فإن ماو يُشَبِّهُ الشعب (الحاضنة الشعبية) بالبحر والثُّوار بالسمك، (الأمان والانسيابية والتخفي)، ويضيف أنه يجب على الثوار أن يتحركوا في هذا البحر مثل السمك..

ويعتبر ماو أن حروب التحرير تحتاج إلى التنظيم الأفقي الانسيابي لضمان حرية الحركة ومرونتها وتأمين تشعبها، لذلك تبقى الأيديولوجيا ويبقى الانتماء الى القضية اللُحمة والأسمنت اللذين يشدان جسم الثوار، وإكسير فلسفتهم الحربية، وليس الانضباط الكلاسيكي للجيوش.

ونحن لم نر مقاوماً انسحب من أرض المعركة أو تراجع، بل رأينا عناصر من جيش الكيان يفرون وآخرين يرفضون أوامر المشاركة في الحرب..

ويرى ماو أن حرب التحرير ليست دائماً حرب عصابات، فهي كذلك في بداياتها ثم مع الزمن ومع اقتراب النصر يمكن أن تتحول إلى حرب تقليدية والعكس صحيح.ويرى ماو أن حرب الثوار ترتكز أساساً على امتلاك المعلومات فهي أهم عنصر فيها، ولا نجاح دون مخابرات قوية ومتمكنة وضليعة في فنيات الحصول على المعلومة وحيازة أدقها بصفة استباقية ودائمة.

أما بالنسبة لتوماس إدوارد لورنس أو لورانس العرب، ضابط المخابرات العسكرية البريطانية في سنوات ما بعد الحرب الأولى، فمن خلال مقاله التحليلي حول “علم حرب العصابات” الصادر في الموسوعة البريطانية يطلعنا على حزمة من المفاهيم، وأهمها أن حرب العصابات هي عمل عقلي ويفوز به الأحد ذكاء والأكثر فطنة. حيث يُشَبِّه الجيش النظامي بالنبتة، بينما يُشَبِّه الثوار بالنسمة المتحركة لا يحتويها مكان، وهي قادرة على الوصول إلى كل مكان، ويرى لورانس أن ضمان نجاح الثورات، يشترط وجود قاعدة عسكرية حصينة وآمنة واحتضان شعبي أو على الأقل تعاطف مع الأهداف. كما أنه من الأفضل أن يكون ظهر المقاومة مسنوداً في الجغرافيا المحاذية لها. ويضيف “لا بد من حرمان العدو من أهداف واضحة يستطيع تدميرها”، ويرى لورانس أن اتساع الأرض عنصر مهم، فهي تعيق سيطرة الجيش النظامي على المدى الجغرافي، ويرى أن الدعاية في الحرب هي أهم أعمدتها، وأن لها نفس قيمة السلاح. وفي حال غزة فاننا شاهدنا من خلال فيديوهات المقاومة سواء الناقلة لعملياتها أو خطب وتصريحات الناطقين باسمها، كما رأينا شكل تقديم صيحات النجدة للأسرى وللأسيرات خاصة عبر فيديوهات موجهة للرأي العام “الإسرائيلي”، دون أن ننسى المشهد الرائع لكيفية إطلاق سراح الأسرى من طرف المقاومين، ومستوى أخلاقيتهم وانضباطهم واحترام الذات الإنسانية التي أظهروها وعُرِضَ على شاشات العالم، مع مستوى اخراجي عالي ومدروس بدقة..

ويجدر التذكير أن لورانس العرب الذي طاف وجاب الصحراء العربية بطولها وعرضها نَظَّرَ لحروب التمرد ونَظَّرَ أيضا لكيفية إخمادها والقضاء عليها.وفي معرض حديثه عن نماذج القضاء على التمرد وعلى القوى المقاومة، ينصح لورانس بقتال الثوار بأسلوبهم لا بأسلوب الحرب التقليدية، (ومن هنا نُذكّر بأن تكوين القوات الخاصة في أمريكا وبريطانيا وروسيا أصبح أمراً معلوماً، مثال قوات Black Waterو Wagner وأيضاً عصابات الكنترا التي استخدمت من CIA . في أمريكيا اللاتينية، وقد سلمتهم دليلاً تقنياً لمواجهة الثوار في حرب العصابات، ولنتذكر حروب الظل لأمريكا الخ)، فالأنظمة تستعين بهذه القوات للمهام التي لا يمكن للجيش النظامي إنجازها، كما أن لورانس نظّر لفصل الثوار عن جماهير الشعب، عبر ما سمّاه التطعيم الأيديولوجي للشعب، لحمايته من عدوى الثورة، عبر الدعاية الفكرية المضادة للثورة وللمقاومة، (ولنتذكر هنا موجة التطعيم الكاسح أثناء الربيع العبري). والأسوأ من ذلك أنه يدعو إلى الاستثمار في القيادات الفاسدة حتى يقع استخدامها لمحاصرة الثوار والثورة. (ولا نرى مثالاً أفضل على هذا من سلطة عباس وجماعته.

الشخصية الثالثة التي عرض أستاذنا الفاضل “محمد المختار الشنقيطي” تنظيراتها حول حرب العصابات، هي دايفيد قلالة وهو يهودي من أصل تونسي خدم في الجيش الفرنسي، وتطوع لقتال الجزائريين خلال الثورة الجزائرية. وهو من أهم منظري الثورات المضادة، ومن أشد الحاقدين على الإسلام وعلى العرب. وقد قدم دايفيد قلالة أفكاراً حول حروب التحرير، ومن بينها ما هو بديهي بالنسبة لنا، من أن السلطة تمتلك الشرعية القانونية، أما الثوار فغالباً ما يملكون القوة الأيديولوجية والعقائدية. دايفيد قلالة لا يختلف عن لورانس وماو تسي تونق، فيما قدمه في فن حرب العصابات، حيث أنه يؤكد على أن السلطة (في حالة معركة غزة المقصود هو الكيان الصهيوني)، لا تتحمل الحرب الطويلة بينما الثوار يتحملونها، وأن الجيوش النظامية تتسم بالجمود، بينما تتسم المقاومة بالمرونة والحركية. كما أن قتال الثوار هو قتال كر وفر بينما قتال الجيوش النظامية هو قتال خطوط ثابتة، فالثوار لا يحتاجون حيازة الأرض بينما يحتاج الجيش النظامي إلى أرض يتحرك فوقها. قرار الثوار سريع وحاسم بينما قرار السلطة بطيء وبيروقراطي.

ومن أهم العناصر التي يركز عليها دايفيد قلالة هي أهمية القوى الأيديولوجية والعقائدية، حيث يقول في كتابه حرب التمرد، لا يستطيع الثائر الشروع في التمرد ما لم يمتلك سبباً راسخاً يجتلب من خلاله مؤيديه من مواطنيه، لأن هذا الدافع هو رأس ماله الوحيد في البداية، ويجب أن يكون الدافع قوياً وقيّماً إذا ما أراد التغلب للاستحواذ على القوة الجارفة والداعمة والساندة له. وفي قضية التعامل مع “السكان المحليين” وهنا يعني المواطنين – علماً بأنه كان منظراً معادياً للثورة الجزائرية ومنخرطاً في الجيش الفرنسي المحتل – فهو يقسمه إلى ثلاثة أصناف: صنف داعم للقضية، وآخر ضد القضية، وثالث محايد. وعلى القوى الاستعمارية توفير الأمان للصنف المحايد لأنه سيكون حتماً مع الغالب أياً كان هذا الغالب. أما الصنف المقاوم فهو يحتاج لكسره، والثالث أي الداعم فيحتاج الى رشوته.

وفي المحافظة على المرونة وعدم استعجال المراحل، يرى دايفيد ألا تسعى القوى الثورية إلى الإسراع بالدخول إلى مستوى القوى التقليدية قبل الأوان، فذلك قد يودي بها الى الهلاك. وعلى القوة الثورية أن لا تهجم هجوم الصدمة على الجيش التقليدي إلا إذا كانت قادرة على الصمود أمام ردة الفعل المتوقعة من الاحتلال. وأنها يجب ألا تدخل في المعارك التقليدية فهي لا تستطيع الصمود أمام الجيش التقليدي. والوضع الجغرافي المثالي حسب دايفيد قلالة بالنسبة للقوى الثورية، هو دولة كبيرة غير ساحلية مع وجود جبال مغطاة بالغابات على طول الحدود، ومستنقعات متناثرة في منطقة معتدلة المناخ، مع تشتت سكان الريف، ونظام اقتصادي بدائي، مثال الجزائر وفيتنام وأفغانستان، للأخير جبال شاهقات ووديان عميقة، وللجزائر جغرافيا شاسعة ومتنوعة، وفي فيتنام الغابات والأحراج.

وبالعودة إلى غزة نجد جغرافيا عكس تصور دايفيد قلالة تماماً، فغزة منبسط عارٍ دون تضاريس، وهي خط واحد مسطح ومستطيل، فلا جبال ولا أحراج ولا غابات ولا وديان وأنهارولا كهوف، ولا حدود حاضنة وموثوقة، ولا ساحل بحري آمن. في غزة لا شيء من كل ما يجب أن يتوفر من شروط حرب العصابات، ومن نتيقن أن غزة هي معجزة عسكرية. لأن كل ما يناقض البيئة المواتية لحرب التحرير موجود في غزة، لا قاعدة خلفية موثوقة للمقاوم المحاصر من كل الاتجاهات، خلافاً لما نظر له لورانس من ضرورة ضمان هذه القاعدة الحصينة.المقاومة في غزة عوضت عن التضاريس والغابات بالأنفاق، وعوضت عن استيراد السلاح بالتصنيع الذاتي، وصمدت في أطول حرب مع الكيان الصهيوني، بينما الحروب مع الجيوش النظامية هي بضعة أيام، وهنا نقر بأن غزة معجزة العصر الحديث.

إن المقاومة في غزة حققت انتصاراً معنوياً بديعا واستثنائيا ولا نظير له في الزمن المعاصر وربما في أزمان أخرى. هذا الانتصار كشف الوجه القبيح للصهيونية العالمية ولكيان العدو، فكانت المعجزة غزة، حيث أن هذه الملحمة الغزاوية جعلت من “إسرائيل” عبئاً على أصدقائها وشركائها ومناصريها إلى حدّ أن يهود العالم يخشون على مصائرهم بسبب استهتار اليهود الصهاينة بالدماء. وهذا الانكشاف الصهيوني عاد على الآلة الصهيونية بالوبال، ما نعبر عنه في عاميتنا (الفرعنة) التي تؤدي بفرعون الى المهلكة.

نعود الى أستاذنا حيث يقدم في الأخير عرضاً للمخاطر الاستراتيجية التي تتربص بالمقاومة، حيث يقول أنه لا يمكن التنبؤ بتطورات الأمور بالنسبة للمعركة في ظل التراجع العربي الكبير، واستمرار الحرب دون أمد أو سقف، الخوف من أن تعجز المقاومة عن الصمود أكثر أو يعجز الشعب على تحمل دمار الحرب وخسائر الأرواح أكثر. فلو انتهت في بضع أسابيع لكان الانتصار باهراً، ولفتحت ثغرة استراتيجية في مسار الصراع، ولكان احتمال أن تصير غزة دولة مستقلة كاملة الشرعية والحقوق كبيراً، بما يؤدي حتماً إلى بداية إنهاء الاحتلال.

ومن المفيد أن نذكر أن الجنرال الصهيوني المتقاعد أيلاند اشتغل على التهجير، وعرفت خطته باسم Iland Plan، وهو صاحب نظرية الضاحية، نسبة للتدمير الذي نفذه الصهاينة للضاحية في لبنان أثناء حرب تموز، كمعاقبة للدولة اللبنانية على قبولها بحزب الله. وفي مواصلة تبني نفس النظرية يتم تدمير غزة وقتل أقصى ما يمكن، كمعاقبة لأهلها على قبولهم بالمقاومة. وتخلص نظريته إلى ترحيل الفلسطينيين إلى سيناء شرط تنازل مصر عن قطعة من أرض سيناء، مقابل تمكين الكيان مصر من ممر بري نحو الأردن في جنوب صحراء سيناء. وفي هذا الاطار تأتي النظرية الثانية وهي التهجير إلى النقب، فقد كتب عنها مؤخراً عقيد متقاعد من الجيش الصهيوني، ويخلص إلى ترحيل الغزاويين إلى صحراء النقب لعدة أشهر، والتفرغ لمقاتلة المقاومة بهدف القضاء عليها، وربما كانت لهذه النظرية أهداف أخرى أيضاً وهي ربط الضفة نهائياً بجزء صغير من صحراء النقب والاحتفاظ بغزة للصهاينة نهائياً أيضاً.

أما النظرية الثالثة وهي نظرية الأرض المحروقة، وقد طرحها إيغال كرمون ضابط متقاعد، وكان مستشاراً لبيريز وشارون وهو الآن رئيس معهد Memory الصهيوني. ويقصد هنا تحويل غزة الى أرض لا تصلح أبداً للعيش والحياة نهائياً، وتجميع أهلها كلاجئين في مخيم ضخم في رفح. يعني عملياً الدفع إلى التهجير، ولكن بطريقة لينة وهادئة وبتقنية التقسيط المريح.أخيراً، قدم الأستاذ “محمد المختار الشنقيطي” البعض من الأفكار، فيما يسمى في الدراسات الاستراتيجية بأنماط النصر، حتى لا تتضخم هذه التحديات والمخاطر التي تحيط بالمعجزة غزة.

وأعظمها هو نموذج النصر بدون قتال لِ سان تسو Sun Tzu، سواء من حيث إرهاب العدو، أو الاختراق النفسي للعدو، أو كسر قوته في ساحة الحرب حتى يستسلم، وكسر إرادته في القتال منذ اللحظات الأولى حتى وإن لم يستسلم. كذلك استنزاف القوة المعنوية والقوة المادية والعسكرية للعدو كما في حروب الاستنزاف.

وأيضاً من أنماط النصر استنزاف القوة المعنوية والنفسية للعدو، وكشف عدوانه حتى يصبح مفلساً أخلاقياً ومعنوياً، وهنا لا بد أن أذكر بتنظيرات سيد المقاومة وباستراتيجية حزب الله في شمال فلسطين منذ 7 أكتوبر وقبله، فالمعجزة مزدوجة لمن يتبصر ونظرية الربح بالنقاط وحرب الاستنزاف التي فرضها الحزب في شمال فلسطين تعتبر تجربة عبقرية يُنَظَّر لها وتُدَرَّس في أعتى الأكاديميات الحربية في مادة الحروب الذكية والغير تقليدية.

إن عدم الانهزام أمام العدو حتى وإن كانت القوة لصالحه، يعتبر انتصاراً، خصوصاً في حرب التحرير. ويقول كيسنجر في هذا المضمار: “الثوار ينتصرون إذا لم ينهزموا والجيش النظامي ينهزم إذا لم ينتصر”، فبمجرد ألا تنهزم وتستمر في الحرب هو يقيناً نصر لك كمقاوم.

ومن أنماط الانتصار أيضاً الإبقاء على القوة الذاتية، واختزانها لفرصة أخرى وجولة جديدة في المعركة، ومجرد البقاء هو نصر في انتظار الفرصة القادمة وهذا ما أكدة ويؤكده سيد المقاومة في كل خطبه،

وأخيراً أنهي هنا بقولي أن المعجزة غزة قدمت أنموذجاً أسطورياً للمقاومة يخيب الحبر في رسمه لعظمته واستثنائيته، إن ما سيُكتب عن غزة هو أضعف من وصف ونقل وتصوير وتأريخ لحظة غزة، فكتاب فنون الحرب للقرن الواحد والعشرين هو بجدارة اسطورة غزة، وأهم ما قدمه لأجيال من الشباب العربي – وأجيال أخرى من كل الأجناس والأعراق والديانات – هو هذا الدرس وهذه القدوة والقيمة الإنسانية النبيلة والعظيمة، بعناوينها من الشجاعة والنبل والايثار والصمود والثبات وبذل الأرواح والدماء من اجل وطن ومن أجل الانسان والحرية، انها معركة الحياة والوجود بكل تمثلاتها ومعانيها الخالصة وبجوهرها الأنقى والأرقى والمتفجر إنسانية.

هند يحيى_ 🇹🇳 تونس 🇹🇳