“إذا جلستَ مع فتاة جميلة لمدة ساعتين، ستشعر أن الوقت قد مر كدقيقتين، لكن إذا جلستَ على صفيح ساخن لمدة دقيقتين، ستشعر أن الوقت قد مر كساعتين.” وهي مقولة صحيحة عبر بها آينشتاين عن نظريته النسبية. وهي تشير إلى أن التجربة الذاتية للزمن تختلف بناءً على الحالة النفسية التي يمر بها الإنسان.


في كل مرة يتم فيها المساس بهيبة الدولة الإيرانية تعود ذات الكلمات إلى الساحة: الصبر الاستراتيجي، الرد في المكان والزمان المناسبين، وانتظروا الرد. ويتخذ “السفلة” هذه الحالة الاستراتيجية الحكيمة فرصة للاستهزاء والتشكيك بقدرة إيران على الرد ، ومن قبل ذلك سوريا، فقد مضت سنوات وسوريا تحتفظ بحق الرد كما جرى عند قصف مطار دمشق وفي مواقف أخرى، ولكن سوريا مارست الصبر الاستراتيجي حتى لا تنجر إلى حرب إقليمية استعد لها العدو أتم استعداد، والتاريخ السوري مليء بمراحل الصبر المتوالية سواء في الساحة الحربية أو في الساحة الدبلوماسية، وبالرغم من ذلك، فإن التشكيك وصل بالبعض ليقول بأن أيران وسوريا والكيان أوجه لعملة واحدة، فقط بسبب هذا الانتظار الذي طال أمده، إلا أن هذا الصبر في جوهره هو أمّ الطوفان العالمي الذي نشهده اليوم.


إن حالة الحذر التي تبثها إيران وتحيط بها الكيان وتُطيل الزمان فيها، تغيِّر من تقديرات الوقت لدى الأخير، وتستنزف موارده ، تجهيزاً لاستقبال الرد مما يضع إمكاناته في حالة التأهب، ويُدخل الحالة الاجتماعية في جو عامٍ من الترقب والركود.


ومع طول انتظار الرد، وفي ظل استمرار التأكيد الإيراني على أن الرد قادم، يدخل الكيان في مرحلة التشكيك والتوقع وعدم اليقين لعدم معرفة المدة التي يجب انتظارها مما يؤثر في حالة التأهب العسكرية، وفي ظل حالة التأهب تلك يضطر الكيان إلى أن يستخدم موارده العسكرية ذاتها لصد الضربات اليومية التي تأتيه من الجنوب، مما يزيد من حالة القلق العسكري، ويضرب حالة الانتظار لتحويل حالة الكيان المنتظمة إلى حالة غير مرتبة ومبعثرة.


وإننا في المقابل إذا نظرنا إلى الجانب الإيراني وتأملنا في منهجيته في الصراع، ذات المنهجية التي يسير عليها المحور، ففي كل مواجهة يعتمد الإيراني فلسفة التبلور والنضوج، والتبلور هو تحول المادة من حالة غير منتظمة أو غير محددة إلى حالة منظمة ومرتبة، فالتبلور في الفيزياء والكيمياء هو تحول المادة من الحالة السائلة الغازية إلى الحالة الصلبة. وكأن الإيراني يستغرق في وضع الخطة وفي تحديد النقاط التي تحتاج إلى بلورة ونضوج ليعطي بعدها لنفسه الضوء الأخضر بعد أن يضمن أن مواجهته وردَّه يفتح له باباً جديداً من الصراع، مخترقاً بذلك الزخم الإعلامي الغربي المضاد و ردَّات الفعل الدولية المعادية التي تنتظر الخطأ والتعسف من إيران. وهناك مثل إيراني شعبي يلخِّص النهج الإيراني في عملية البلورة: “صبرٍ كه در آن از طلا ساختند ” بالعربية: “الصبر الذي صُنع منه الذهب”.


وعند النظر إلى الصورة بكليتها فإننا نجد أنفسنا أمام جوهر حضارتين في هذا الصراع، جوهرٌ خلق ما يسمى بعصر السرعة، وجوهرٌ جديدٌ لم يعرفه العالم الغربي المعاصر من قبل، وهو جوهر الصبر الذي تنتهجه إيران وأجناد المحور، يقيم الأول صراعه على فلسفة المفاجأة ومنع الآخر من تعزيز القوة وتقليل الخسائر بالرد سريعاً وقبل أن يقوم الآخر بالتحرز، في حين يقوم جوهر الصبر على إرهاق العدو نفسياً، وإجباره على الاستعداد المستمر وإضعاف الانسجام الداخلي ويظل عنصر المفاجأة فيه حاضراً، ومما يزيد في رجحان مبدأ الصبر على السرعة بأنه مبدأٌ جديدٌ لم يعهده الغرب ولا حتى الناس المتأثرون بثقافته حيث الطعام سريع، والتواصل سريع، واليوم يمر لديهم بسرعة.


وإضافة إلى كل الاعتبارات السابقة، إن إشارةً مهمة يجدر بنا أن نلفت الانتباه إليها، إن وجود حالة الصبر والتمكن منها في الحالة الإيرانية لا يشير إلا إلى وجود الخطة والإحاطة بمجريات الأمور ومراحلها، ومن إشارات ذلك وضوح الرؤية لدى اليمن الذي استلم زمام حرب البحار باقتدارٍ وعلى مراحل، ودخول حزب الله المعركة في الثامن من أكتوبر مباشرةً بدءاً بالعمل على تعمية الكيان وضرب منصاته، ومن ثم التركيز على كريات شمونة ومن ثم الدخول إلى مرحلة ما بعد الهدهد التي تقول: الآن، أصبحتَ كلك تحت القبضة، والإشارة الأوضح هي السابع من أكتوبر بنفسه، والإشارات الأخرى كثيرة.

آدم سرطاوي-كندا