لست أدري لماذا كلما طرأ في ذهني موضوع الإرهاب ، أستحضر رائعة تشارلز ديكنز ، قصة مدينتين ، ولكن الذي يخطر على بالي من فوري ليس مدينتي ديكنز ، بل مدينتي إبن عبد الوهاب و إبن سعود … الدرعية و درعا … بدأت حدوثة الإرهاب في الدرعية في جزيرة العرب ، ثم وصل رجع صداها فيما بعد إلى درعا القابعة على الحدود بين سوريا المقاومة وأراضينا المحتلة ، ظهر هناك في الدرعية ، وأبرم العقد مع محمد آل سعود ، والذي يعطي إبن عبد الوهاب الولاية الشرعية الفقهية الدينية ، ويعطي إبن آل سعود الولاية الدنيوية الآنية التنفيذية … الأول يمسك بناصية ليّ عنق الدين حتى يتواءم مع رغائب ومطامع و ترّهات الثاني ، والثاني يحكم ويورّث ويملك ولا يعارضه معارض … ويذهب ضحيةً لذلك فيما بين الضلالين ، ديننا الإسلامي الحنيف ، وشعوبنا المستضعفة المستكينة … لن أخوض كثيرًا في التفاصيل ، فهي بحاجة الى مجلّدات ومجلّدات … والأمور في نهاية المطاف يحكم عليها بما تؤول إليه ، وما تحدثه من منفعة أو مضرّة … أهم ما يوجب الوقوف عنده والأكثر خطورة فيما تفتّق عنه ذلك الميثاق الشيطاني بين ابن عبدالوهاب وإبن سعود هو سلطة ولي الأمر … بحيث تصبح الأمة لاحقاً ، وبعدما تتواتر السنين والعقود والقرون تحت الحكم المطلق لولي الأمر ، الذي هو نفسه سيصبح في جيب قوىً خارجية شيطانية ديدنها قتل أمتنا ، ونهب وسرقة خيراتها … وتجد أن فقهاء الضلال ، وعلماء الرضوخ للسلاطين يصرّون ، على مدى التاريخ ، على عدم خلق أية سابقة يقبل فيها الخروج على طاعة ولي الأمر … موقف عجيب يستنكر حتى خروج الحسين على طاعة اليزيد الماجن السكّير الضال ، والذي يشكك الكثير من المؤرخين المنصفين حتى في انتمائه الى الإسلام أصلاً … ويصرّون على تخطئة الحسين وصواب رأي اليزيد … كيف يستوي هذا الرضوخ المطلق لولي الأمر ، مع أحاديث صحيحة تناولت جزءاً من العلاقة مع الحاكم ، بطريقة صارمة لا لبس ولا مواربة فيها … فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق … وإن أعظم الجهاد عند الله ، كلمة حق عند سلطان جائر … لقد اخترعوا لنا دينًا سيكون بعدئذٍ خادمًا مطيعًا لأطماعهم وأطماع أسيادهم ، ومعزّزاً لرغبتهم في السيطرة على الشعوب ونهب ثرواتها … سوف نجد أنفسنا بعدئذٍ وبندر بن سلطان ، أمير الظلام في “مملكة الخير” ، يجلس في مبنى ال CIA ، في مقاطعة فيرفاكس ، بولاية فرجينيا ، على نهر بوتوماك ، مع مستشار الأمن القومي الاميركي ، زبيغنيو بريززنسكي آنذاك ، ليضعوا اللمسات الأخيرة لإنشاء تنظيم سيطلقون عليه تنظيم القاعدة لاحقاً ، بقيادة بن لادن وعبدالله عزام ، والذي سيحارب الإتحاد السوفياتي في أفغانستان ، ويكون أداةً إسلاميةً جهاديةً في خدمة الشيطان الأعظم ، ويرتكب ما من شأنه تشويه الإسلام ، وتحويله من دين رحمة ومحبة الى دين توحّش وإجرام وإرهاب وقطع رؤوس … وكلّه تحت صرخات … الله اكبر… ثم نجد هذا التنظيم يتحوّل ويغيّر أسماءه حسب ما تقتضيه الظروف ، فتارةً هو القاعدة ، وتارةً أخرى داعش ، وفي طور آخر النصرة ، ثم بعد ذلك هيئة تحرير الشام … المضحك المبكي في هذه الدراما هو الحالة التي يعايشها الإسلام المدّعى لهؤلاء ، أو لنقل أولئك الذين يدّعون أنهم ينتهجون ديناً يدعى الدين الاسلامي … ففي الوقت الذي وجدنا هؤلاء يتشبثون بحذافير الإسلام التفصيلية ، والذين تم اصطناعهم بدهاء في جزيرة العرب منذ قرون ، في الوقت الذي وجدناهم ينحّون بأنفسهم بعيدًا عمّا يجري من تقتيل وإبادة للمسلمين في غزة وفي لبنان ، ولا يكلّفون أنفسهم ، وعلى مدى عقود ، بإطلاق طلقة واحدة في اتجاه الكيان القاتل ، ولو حتى من باب التورية ، نجدهم بالمئات يتدفقون للتضحية بأنفسهم في عمليات انغماسية إنتحارية ضد الجيش السوري المسلم ، خدمةً للإستراتيجية الأوليغارشية الصهيوانجلوساكسونية ، وللكيان اللقيط في نهاية المطاف… جديد مساخرهم هذه المرة … أنهم ألقوا بالأعلام الفلسطينية وصور قبة الصخرة على أرض حلب الشهباء ، التي تئن تحت وطأة قذارتهم وانحطاطهم وكفرهم وانصياعهم المطلق للصهيونية ، وقاموا بالدوس عليها ليفصحوا بأجلى ما يستطيعون عن انتمائهم الحقيقي ، ومن في الحقيقة يخدمون .
سميح التايه