تبقى هذه الفكرة ماثلةً في وعي كلِّ إنسانٍ عربيٍّ، كظلٍّ لا يفارقهُ، فمَن تذوَّق مرارة الاستعمار والاحتلال والخيانة والتطبيع، لا يمكن بأيِّ شكلٍ من الأشكال أن ينسى ذلك الطعم، أو يمحيه من ذاكرته.
هذه الفكرة المتجذرة في الذاكرة الجمعية لشعوب المنطقة، تضع الكيان في خانة أوسع من كونه عدوًا عسكريًّا فقط، بل إنه عدوٌّ خبيثٌ لا يمكن أن يوفرِّ فرصةً واحدةً أو طريقةً إلا ويستعملها لتحقيق ما يضعه أسياده في الدولة العميقة الأمريكية من أهدافٍ شيطانية، فيستخدم وسيستخدم لذلك كل ما رأيناه وسنراه من أساليب القتل والإبادة إلى أساليب الحرب الإعلامية والنفسية، بالإضافة إلى العمليات التجسسية والاستخباراتية المتطورة.
.
.
الجاسوسية الصهيونية، مخططٌ مستمر منذ نشأة الكيان
.
هذا الكيان المحتل الذي بنى أسس “دولته” المزعومة الزائلة على مبادئ الغدر والاحتلال، لم يكن غريبًا عليه اللجوء إلى تدعيم الشبكة التجسسية كركيزةٍ أساسية لتحقيق الأهداف الصهيونية، فاعتمد على التسلل المخابراتي والتغلغل داخل المجتمعات العربية لتفكيكها من الداخل عن طريق زرع الفتن وبثّ السموم وتعميق الانقسامات، ولعلَّ جهاز “الموساد الإسرائيلي” كان ولايزال، يشكل اليد العليا في تنفيذ عمليات التجسس على المستويين الدولي والإقليمي.
.
ما يجعل هذه الاستهدافات خطيرةً هو أنه ليس فيها ما هو مرئي بالعين المجردة أو يتم الكشف عنه عبر القنوات الإعلامية الرسمية، بل هو استهداف خفي وناعم، يمتد عبر شبكة من الجواسيس والمخابرات، يمارَس بدقة فائقة، حيث يكون العدو غير مرئي، يتحرك بيننا في الظلام، ولا ندرك حركته إلا بعد فوات الأوان، فيتسلل إلى عقول الشعوب ونسيجها الاجتماعي، ليزرع فيهم بذور الشك والريبة.
.
أدوات التجسس: سلاسل غير مرئية تتحرك في كل مكان
.
التجسس أشبه بخيوط غير مرئية، تتسلل عبر الثقافات والاتصالات والأمن الداخلي. وإن المخابرات الصهيونية، على مرّ الزمن، كانت تسوس حربها ضد شعوبنا وفق سياسة زرع بذور الفتن وتغذيتها، فتبدأ الأمور ببعض الشائعات البسيطة، لتنتهي إلى تصدّع داخلي يأخذ أشكالاً من النزاعات السياسية والفكرية.
وقد ساعدها على ذلك امتلاكها لجميع الأدوات التكنولوجية في زمننا هذا، إذ إن جميع منصات التواصل الاجتماعي تحتكم للمعايير التي تضعها، فتروّج عن طريقها ما تريد، و تخفي ما تريد، من منصات facebook و Instagram و YouTube و X وغيرها، وصولًا حتى إلى المواقع الالكترونية، وهذا موقع طوفان الذي تقرؤون منه هذه السطور، قد نال ما نال من تقييد و إغلاق متكررَين، و هذه صفحات الشخصيات المقاومة المؤثرة في بلداننا أيضاً تواجه حربها مع حلف العدو الذي يستمر بتقييده لكل ما يرفع من وعي شعوبنا، ناهيك عن أسلحة التجسس التي نحملها في أيدينا في كل مكان من أجهزة الاستماع، والبرمجيات التي تسجِّل كل همساتنا، والشبكات الاجتماعية التي تراقب تحركاتنا وحواراتنا، كل هذه أصبحت أدوات استغلال جديدة في يد العدو. كل رسالة نصية قد تكون فخًّا، وكل زيارة إلكترونية قد تؤدي إلى فقدان جزء من معلوماتنا الشخصية أو الأمنية.
.
الاستهداف المستمر: هل نحن أمام مؤامرة أم حقيقة؟
.
هنا يظهر السؤال: هل يجب أن نبقى حذرين من هذه الاستهدافات أم لا؟ هل نبالغ في توقعاتنا، أم أن الخطر فعلاً في الأفق؟ إن التساؤل هنا هو تساؤل جماعي يخص الأمة بأكملها.
.
بعد ما تقدم يمكن القول بثقة أننا إن لم نكن حذرين، فإننا سنبدو كالذين يبحرون في البحر دون أن يلحظوا العاصفة القادمة، وهذا ليس تهويلاً، بل هو واقعٌ يجب أن نواجهَهُ، فاليوم جميعنا مستهدَفٌ ولن يكون هناك شعب واحدٌ ناجٍ من هذا الحلف المتوحش النازي إلا مَن يقاومه وينتصر عليه فيركب بذلك السفينة الوحيدة الناجية ، والمقاومة هنا ليست بنيران الصواريخ والبنادق والمدافع فقط، بل في جميع الأصعدة، فالنصر الذي نريده ونعمل عليه مع محورنا العظيم، هو نصر كاملٌ متكاملٌ، نصرٌ عسكري إعلامي وتكنولوجي واقتصادي ووو … ، يليق بكل ما بُذِل لأجله من دماءٍ و أرواحٍ، وجهادُنا نحن بيئة المقاومة يكمن في الوعي والحذر، والتفكير في كل خطوة قبل القيام بها، وإغلاق أيِّ ثغرة يمكن للعدو أن ينفذ بسمومه منها، وأن نعمل دائماً على نشر كل ما يغذي وعي أمتنا، وبذلك يفشل عدونا في تحقيق أهدافه على المستوى الفكري، كما يفشلُ فشلَهُ الأكبرَ في ميادين القتال مع رجال الله، رجالِ مقاوماتنا البواسل، كلٌّ في موقعه.
وقطعاً سننتصر….
محمد يونس_ سورية