بينما تتصاعد الأحاديث حول مساعي الرئيس المُعلن دونالد ترامب للتطبيع بين إسرائيل والدول العربية المتحالفة معها، يبدو أن العلاقة التي ستشهد تطبيعاً فعلياً هي بين الولايات المتحدة والكيان المحتل. ففي مقالة سابقة، ذكرتُ استنتاجات من مراكز الأبحاث الاقتصادية الأمريكية حول العبء الاقتصادي الذي يمثله الكيان. ومن أبرز هذه الدراسات تقرير صادر عن معهد كيتو، الذي دعا الولايات المتحدة إلى تطبيع العلاقات مع إسرائيل والتعامل معها كأي دولة أخرى في المجالات المختلفة، بما في ذلك الاقتصاد، وتبادل الأبحاث، وعقد الصفقات في مجالات التسليح والدفاع. وتزداد النقاشات حاليًا في هذا السياق.
عندما أشار الخبراء إلى انسحاب أمريكي من إطار العولمة الصهيونية، اعتقد البعض أن هذه الخطط طويلة الأمد، ولكن الوقت بات يتسارع بشكل غير مسبوق، ولم نعد ندرك أبعاد هذا التسارع.
ورغم تزايد الحديث حول نظرية انهيار إسرائيل، إلا أننا لا نرى واقعية هذا المشهد بالنسبة للصهاينة الإسرائيليين الذين يدركون معاني الزمن بوعي أكبر. فقد نعتقد أن تصريحاتهم بالإنجازات والتفوق تعكس لا مبالاة بالواقع، إلا أن العكس صحيح؛ فهم يفقهون واقع زوالهم أكثر مما نتخيل. قد نأمل ونسعى لتحقيق هذا الزوال، لكن في أعماقنا نراه حلماً بعيد المنال، وهذا يعود إلى عقارب الزمن التي ما عدنا نستوعبها. فحينما تدق ساعة منتصف الليل، نعتقد أننا دخلنا اليوم التالي، ولكن في الحقيقة، كل دقةِ منتصفِ ليلٍ هي بمثابة عام جديد، وهذا التسارع يفهمه بنيامين نتنياهو جيدًا.
علينا إذاً أن نراقب ما سيقوم به في هذه الأزمة الكارثية. فبعدما يتلقى نتنياهو الضربة من ترامب، والتي ستواجهه بحقيقة كونه عبئًا مدللاً وليس حليفاً استراتيجياً، سيضطر للبحث عن حيلة للدفع بالجنود الأمريكيين المتواجدين على أرضه إلى الخطوط الأمامية، عبر وضعهم في مرمى النيران الإيرانية. فهذا هو أمله الوحيد لإشعال حرب مباشرة لأمريكا ضد إيران. وكما خطط سابقاً لتوريط أمريكا في حرب ضد العالم العربي والإسلامي بذريعة الإرهاب عقب أحداث 11 سبتمبر، فهو اليوم يضع في مخيلته خطة جديدة لاستغلال القوات الأمريكية، مستلهماً ما يعرف بـ “العلم الكاذب”، وهي خدعة يجيدها الإسرائيليون.
ورغم أنني لا أؤيد من يتحدث بنبرة توجيهية كأنه قائد في المقاومة، إلا أنه من منطلق المحبة والحرص عليها، علينا القول بأن الرد الإيراني -الآتي لا محالة- يجب أن يستهدف شخصية محددة، وليس مجرد ضربات صاروخية. فقد خسر الإسرائيليون هذه الحرب، وهذه الخطوة الأخيرة هي فرصتهم الوحيدة لتوريط أمريكا في مواجهة مباشرة.
الكيان إلى زوال، والزمن يتسارع، ونتنياهو في مأزق كارثي. أما الأصوات التي لا تنتمي للمقاومة والتي تنادي بالرد الإيراني فلا وزن لها؛ فهدفنا هو النصر وليس إرضاءهم. لقد انكشفت الحقائق، وفي المستقبل ستصبح مواقفهم وتصريحاتهم على وسائل التواصل خلال طوفان الأقصى بطاقة هويتهم، وستحدد هذه المعادلة من هو الصهيوني ومن هو المقاوم.
رندة سيكسيك-استراليا