البريكس وقمة كازان
عالم جديد يتشكل تحت شعار الجنوب المتكامل
 Global South
 
 
على هامش الحرب الروسية الأوكرانية والمعركة الدائرة في فلسطين ولبنان ضد الاحتلال والعدوان الصهيوني، افتتحت في 22 أكتوبر 2024 قمة البريكس أشغالها في مدينة كازان الروسية، بمشاركة زعماء الدول الأعضاء، ووفود الدول الراغبة في الانضمام إلى المجموعة، إضافة إلى حضور الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش. وإن كان لكل دولة حاضرة في هذه القمة أجندتها الخاصة فالمؤكد أن موسكو التي تترأس الأشغال، تثبت يوماً بعد يوم أن فرضية عزلها من باب المستحيلات وأن للكرملين كلمته العليا التي تقرر وتنفذ.
 
“كازان تصنع التاريخ، وهكذا ولد العالم الجديد”
“يفتتح بوتين جلسة تحسيسية لمجموعة البريكس، ثم يعطي الكلمة لقادة ورؤساء وفود 24 دولة، بمشاركة ممثلين من أعلى مستوى وحضور لافت للأمين العام للأمم المتحدة.
استغرقت الجلسة الافتتاحية ثلاث ساعات وخمس وعشرين دقيقة ولكن هذه الجلسة سيتبعها حديث وأحاديث في معظم أنحاء العالم لأسابيع ولشهور وربما لأعوام.”


هكذا كان أول تصريح للمحلل الجيوسياسي الشهير Pépé Escobar، على هامش حضوره لمتابعة وتغطية أعمال قمة البريكس في مدينة كازان الروسية.
لن نخوض الآن في تغطية أو تحليل ما يحدث  في مدينة كازان، لأن ذلك سيحضى بمتابعتنا وتغطية خاصة على موقعنا لاحقا، ولكن نُفضل الآن وقبل كل الشيء إفساح المجال لما جاء في تحليل Pépé Escobar، خلال لقاء جمعه بالصحفي  Danny Haiphong على موقع sanevox   الفرنسي،
حيث يبدأ Danny Haiphong بتقديم Pépé Escobar على أنه الأجدر بتفكيك النظام المالي ونظام الصرف لمجموعة البريكس تحليلاً وتفسيراً وتفصيلاً، فيؤكد على أن هذا النظام الجديد سيصدم النظام العالمي المهيمن بدولاره وسيواجه قيادة الولايات المتحدة والأطلسي، بل سيقضي على النظام الأمريكي الأطلسي بعقوباته وحصاره للدول، ويعتبر أن  كل ما كتبه  Escobar هو قنبلة جيوسياسية وجيواقتصادية وساعة انفجارها هي القمة  الجارية الآن.
بادر Dany Haifong بسؤال Escobar عن كازان الآن ونظام البريكس الجيوسياسي والجيواقتصادي،  وعن التأسيس الجديد بقيادة الروس وحليفهم الصيني للنظام الاقتصادي والمالي الجديد، ونظام blockchain المركزي، وبنك التنمية ومقره شانغهاي، وحول هندسة هذا التشكل المستحدث وآلياته الخاصة بنظام الدفع والصرف والتبادل التجاري.
ويواصل Escobar:
يهدف مشروع BRICS Bridge، الذي يجري تطويره حاليًا، إلى إنشاء منصة دفع رقمية متعددة الأطراف لتقليل الاعتماد على الدولار بشكل كبير. ومن المتوقع أن يشتمل النظام على تقنية blockchain ويتماشى مع العملات الرقمية للبنوك المركزية.
هذا النظام الجديد المسمى بريكس بريدج  BRICS Bridge (وهو منصة دفع رقمية متعددة الأطراف لتقليل الاعتماد على الدولار، من المتوقع أن يشتمل النظام على تقنية blockchain ويتماشى مع العملات الرقمية للبنوك المركزية للدول الأعضاء)، ويضم البنك الشعبي الصيني، هونغ كونغ، تايلاند، الإمارات والمملكة السعودية التي التحقت منذ أشهر، ولتوضيح نظام التبادل سنأخذ كمثال تايلاند حين تشتري البترول من الإمارات عبر نظام Enbridge إذ لن تحتاج تايلاند في هذا النظام إلى العملة الصعبة لخلاص البترول ولن تتأثر المعاملة بتقلبات واهتزاز العملات، هكذا هي قاعدة التبادل التجاري وتبادل السلع، علماً بأنها لن تشمل أعضاء البريكس فقط بل أيضاً المرشحين لعضوية البريكس، وكل نظام التبادل التجاري والأنشطة التجارية بين الجميع محكوم بنظام البريكس والبريكس بريدج المستند لنظام  Enbridge.
بالإضافة إلى أنه هناك نظام بريكس باي، Bricks Pay والبعض منكم يعرف نظام alipay، فهما نظامان متشابهان، ولكن Bricks Pay لن يمر عبر آلية سويفت SWIFT لأنه داخل دورة نظام بريكس وليس خارجها، ويتسع أيضاً للأعضاء المرشحين لعضوية مجموعة البريكس، والأمر التالي والمهم يخصّ نظام وحدة الصرف، وقد سبق أن كتبت عنها وأنا بصدد متابعة مسار إنشائها منذ ما يقارب العام، والآن العالم كله بصدد الحديث عنها، وفريق جريدة الوول ستريت جورنال Wallstreet journal يحاول جاهداً التواصل مع الفريق المختص والمسؤول على دراسة وبلورة نظام وحدة الصرف للحصول على أكثر ما يمكن من معلومات حول هذا النظام الجديد وفهمه أكثر.
الأمريكيون تفطنوا إلى قوة النظام الجديد لوحدة الصرف، فهو يعتمد على 40% من الذهب و60% من عملة بلدان مجموعة البريكس، كنظام صرف بديل، وحين تحدثنا مع وزارة المالية الروسية التي تتفاوض بدورها مع باقي وزارات المالية في مجموعة البريكس، قيل لنا أنه ورغم أن آليات هذا النظام وتشكله النهائي لم يكتمل بعد، وأنه في طور اللمسات الأخيرة إلا أنه موضوع على طاولة المفاوضات لمجموعة البريكس مع باقي الملفات الخاصة بالحلول والآليات والبدائل للنظام الحالي الذي يحكم العالم، والتنسيق والتشاور وقد وصل لمستوى عالٍ من التشاور بشكل سلس ومنفتح.

إضافة إلى كل هذا، هناك هيكلية جديدة لنظام التأمين وهي مختلفة تماماً عن هيكلية النظام الغربي في قطاع التأمين، وهذا مهم جداً، وهناك وكالة ترقيم خاصة بنظام البريكس، لا تخضع للنظام الرأسمالي الغربي للترقيم، المعتاد على معاقبة دول الجنوب عبر الترقيم المشبوه والظالم أحياناً، وحين نضع كل هذه المكونات فإننا نقف أمام مشروع تغيير ضخم ومدهش للعالم.
علماً بأن الاجتماعات لم تتوقف، بين وزارة المالية الروسية والبنك المركزي الروسي وهما يقودان محادثات ماراتونية مع بقية أعضاء مجموعة البريكس وفي مقدمتها الصين، من وزراء مالية ومحافظي بنوك مركزية، ونستطيع التأكيد أننا سنشهد في أشغال هذه القمة قرارات نهائية بوثائق وملفات جاهزة في أدقِّ تفاصيلها وتشكل آلياتها، لتعرض على الرؤساء قصد الموافقة والمصادقة النهائية، وهذا يعني أننا نصل إلى المرحلة الأخيرة من مسار سيقلب العالم ويثبت أن الحلول والبدائل موجودة وليست مستحيلة وأن لا شي مما كان معتمداً هو قدرٌ محتومٌ على البشرية.
التحديات التي تواجه هذا التغيير الهائل،
من يقود هذا التغيير الهائل هما روسيا والصين، وهما قوىً عظمى بإمكانيات مالية وسياسية ضخمة، فماذا يمكن أن يعطل إطلاق هذا المشروع، إذ يشكك البعض في قدرة العالم المتعدد الأقطاب على خلق بديلٍ للدولار ونحن نعرف أننا لازلنا بعيدين عن عالم بدون دولار ولكن ما نشهده اليوم هو تسارع مدهش لمسار البدائل لنظام الدولار، فما هي أكبر التحديات التي تواجه هذه الهندسة الجديدة للنظام الاقتصادي والمالي والتجاري ونظام التبادل في العالم؟
ويواصل Escobar، أولى العقبات هي المشاكل الداخلية لكل بلدان مجموعة البريكس، لذا يفترض أن تجد هذه البلدان حلولاً واقعية ومناسبة وناجعة لمشاكلها، ولم يكن تصريح لافروف حين قال “بأنه على مجموعة البريكس احتضان أعضاء جدد”، إلا كلاماً ديبلوماسياً، والمقصود منه أنه مازال هناك بعض الخلافات بين أعضاء مجموعة البريكس الحاليين وبين الأعضاء الجدد، وعليه فمن الأولوية أن تُحَل هذه المشاكل قبل أن نفكر في توسعة رقعة المجموعة. بيد أنَّ الآن التوسعَ حاصل ولا يعني فقط أربعاً وثلاثين دولة تحدث عنها الرئيس بوتين، بل وصل إلى الأربعين وسينتهي بعد القمة إلى الخمسين وربما الستين. فكثيرة هي الدول التي عبرت عن رغبتها في الالتحاق بمجموعة البريكس، ولكن هل هناك جهوزية وقدرة على إدارة كل هذه الدينامية الجديدة بتوسعها وتعقيداتها وملفاتها وما هو مطروح عليها وإدارة هذه الجغرافيا الاقتصادية الجديدة؟ هذا هو السؤال، خاصة أنه عليها أن تستجيب لانتظاراتٍ جمة ولرؤى الأعضاء المؤسسين والجدد في الآن ذاته.


في الحقيقة إن هذا المشروع العظيم الذي لم نعرف له مثيلاً منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، مع الملاحظة أنه في 1945 لم يكن للأمريكان أي إرادة في خدمة مصالح أصدقائهم أو خدمة العالم بل فقط مصالحهم، وقد استثمروا منذ ذلك التاريخ بشكل متوحش في كل القطاعات فقط لصالحهم، أما الآن فالوضع تغير ولدينا مجموعة من الدول بصدد بناء نظام جديد قادر على خدمة وإفادة باقي بلدان العالم، ولن يكون بالهيِّن أبداً بناء مشروع بهذه الضخامة.
 

هند يحي_تونس