ما بعد بعد فلسطين

22 10 2024 7:05 صباحًا
أكتوبر 22, 2024

لم تعد أطماعهم خبيئة ما بين سطور وثنايا بروتوكولات حكماء صهيون ، أو يهمس بها همساً في الغرف المظلمة السوداء السريّة ، هذه الأطماع يُفصح عنها علناً الآن … على المنابر ، وفي التصريحات الرسمية ، وفي الخرائط التي تعرض أمام وسائل الإعلام ، ومن أعلى المواقع الرسمية في الكيان … ولم تعد التطلّعات تستهدف مجرّد المساندة لفلسطين والشعب الفلسطيني المظلوم ، حسبما تقتضيه الذات الحاكمة ، وتتمنّن به ، و تعتبره ترفاً قد تسديه أو تتمنّع عن إسدائه تبعاً للظروف وارتهانًا للأمزجة والتوجهات الأيديولوجية أو حتى المزاجية … ولم تعد إنتخاءً اختياريًا للمقدسات وللأخوّة ولوقفة عربية أو إسلامية كيفما يرتأيه ولي الأمر أو سيدنا أو فخامة الرئيس … لقد أصبحت تحديًا وجوديّاً للإنسان الأردني أو المصري أو السعودي أو العراقي أو اللبناني أو السوري … ولن يمضي طويل وقت حتى تصبح تحدّياً وجودياً أيضاً للإنسان الخليجي واليمني والتونسي والسوداني والجزائري والمغربي ، بالمباشر واللامباشر … أطماع هذه المسوخ ليست محدودة بحدود ، ولا تستهدف شعبًا بعينه … هم يعتبرون الآخر عبداً ، أو مشروع عبدٍ مؤجل ، لا يستحق الحياة إلا بما يرتضيه ويقدّره السيد الذي ينتمي إلى شعب الشيطان المختار … والأرض مباحةً لما تستطيعه الجزمة الصهيونية من المقدرة على الوصول إليه ، والسيطرة عليه … والمصيبة ان الكثيرين لمّا يستيقظوا من السّبات العميق ، والخطر غدا ماحقاً ، والسكين أصبحت تلامس وريد العنق ، والخطر أضحى فيما بعد الداهم … التعويل على الأنظمة الموضوعة علينا لم يعد خطأً في المقدرة على قراءة الموقف فحسب ، هو خطيئة عظمى ترقى الى مستوى ارتكاب الفناء الطوعي … لأن الأنظمة هي جزء لا يتحزّأ من مشروع الإبادة الجماعية لكل شعوبنا من المحيط إلى الخليج … وإن لم تستيقظ هذه الشعوب ، ومن منطلق التهديد الوجودي المباشر لها ، فلن تستيقظ إلّا والباثون الصهيوني التلمودي آخذ في ابتلاعها في وجبة الصباح ، أو وجبة المساء لا فرق ، فريسةً تلو الأخرى … الإبادة الجماعية ليست بالضرورة فيزيائية … إذ أن الإبقاء على الشعوب في حالة تخلّف وعوز وفقر وبطالة وما يربو على ما هو أكثر من نصف الديموغرافيا تحت خط الفقر ، وأمن قومي مكشوف ، وتفريط بالحقوق ، وارتهان للخارج ، واستتباع القرار السياسي ،وديون فلكية تقذف باقتصاد البلاد الى ما بعد التفليسة ، وإدارة فاسدة فاشلة ديدنها المصالح الشخصية والمحسوبية والارتشاء… كل ذلك هو فناء وإبادة جماعية معنوية موضوعية .
سميح التايه