تداعيات قرار محكمة العدل الدولية بعدم مشروعية الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية

أصدرت محكمة العدل الدولية بتاريخ 20\7\2024 قراراً اعتبرت فيه أن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية غير قانوني وغير شرعي، وأنه يتوجب على إسرائيل وقف الاحتلال وإنهاء تواجدها غير الشرعي في الأراضي الفلسطينية المحتلة في أقرب وقت.
وكون هذا القرار مهماً وغير مسبوق فقد تناوله الكثير من الخبراء القانونين. ونحن نريد هنا أن نسلط الضوء على أحد أبرز هذه المقالات التي نشرتها صحيفة الرأي اليوم الإلكترونية بتاريخ 21\7\2024 للمحامي والخبير القانوني علي المسلوخي.


علي المسلوخي: تداعيات قرار محكمة العدل الدولية بعدم مشروعية الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية

علي المسلوخي
أصدرت محكمة العدل الدولية بالأمس قرار تاريخي ومهم وغير مسبوق ، واعتبرت فيه أن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية غير قانوني وغير شرعي، وأنه يتوجب على إسرائيل وقف الاحتلال وإنهاء تواجدها غير الشرعي في الأراضي الفلسطينية المحتلة في أقرب وقت، وهذا القرار مهم جداً وتكمن أهميته في أنه صادر من محكمة العدل الدولية وهي أعلى سلطة قضائية في العالم. وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد أعتمدت قرار في 30 ديسمبر 2022، طلبت فيه من محكمة العدل الدولية – طبقاً للمادة 65 من النظام الأساسي للمحكمة – إعطاء فتوى ورأي استشاري حول الآثار القانونية الناشئة عن انتهاك إسرائيل المستمر لحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، نتيجة لاحتلالها الطويل الأمد واستيطانها وضمها للأرض الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، بما في ذلك التدابير الرامية إلى تغيير الوضع القانوني للشعب الفلسطيني؟ التركيبة الديمغرافية، وطبيعة ومكانة مدينة القدس المقدسة، ومن اعتمادها للتشريعات والتدابير التمييزية ذات الصلة؟ وكيف تؤثر سياسات وممارسات إسرائيل المشار إليها أعلاه على الوضع القانوني للاحتلال، وما هي التبعات القانونية التي تترتب على جميع الدول. والأمم المتحدة من هذا الوضع؟”وخلصت المحكمة بالإجماع إلى أنها مختصة ولها صلاحية بإصدار الرأي الاستشاري المطلوب وأنه لا توجد أسباب قاهرة لرفض إعطاء الرأي، وأوضح رئيس محكمة العدل الدولية “نواف سلام” أن هذا الرأي لا يشمل الحرب الإسرائيلية على غزة التي بدأت في 7 أكتوبر الماضي.وردت المحكمة في فتواها ورأيها الاستشاري على الأسئلة التي طرحتها الجمعية العامة وخلصت إلى أن استمرار وجود دولة إسرائيل في الأرض الفلسطينية المحتلة غير قانوني، وأن دولة إسرائيل ملزمة بإنهاء وجودها غير القانوني في الأرض الفلسطينية المحتلة في أسرع وقت ممكن، وأن دولة إسرائيل ملزمة بالوقف الفوري لجميع الأنشطة الاستيطانية الجديدة، وإجلاء جميع المستوطنين من الأرض الفلسطينية المحتلة، وأن دولة إسرائيل ملزمة بدفع تعويضات عن الأضرار التي لحقت بجميع الأشخاص الطبيعيين أو الاعتباريين المعنيين في الأرض الفلسطينية المحتلة؛ وأن جميع الدول ملزمة بعدم الاعتراف بشرعية الوضع الناشئ عن الوجود غير القانوني لدولة إسرائيل في الأرض الفلسطينية المحتلة وعدم تقديم العون أو المساعدة في الحفاظ على الوضع الناشئ عن الوجود المستمر لدولة إسرائيل. ودولة إسرائيل في الأرض الفلسطينية المحتلة؛ وأن المنظمات الدولية، بما في ذلك الأمم المتحدة، ملزمة بعدم الاعتراف بشرعية الوضع الناشئ عن الوجود غير القانوني لدولة إسرائيل في الأرض الفلسطينية المحتلة؛وأنه ينبغي للأمم المتحدة، وخاصة الجمعية العامة، التي طلبت هذا الرأي، ومجلس الأمن، أن ينظروا في الطرائق الدقيقة والإجراءات الإضافية اللازمة لوضع حد في أسرع وقت ممكن للوجود غير القانوني لدولة إسرائيل في الأرض الفلسطينية المحتلة.
ردود الفعل الإسرائيلية على الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية:

قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن محكمة العدل الدولية اتخذت “قرارا كاذبا” عندما قضت بأن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية “غير قانوني”، وأن الشعب اليهودي ليس بمحتل في أرضه – لا في عاصمتنا الأبدية القدس ولا في إرث أجدادنا يهودا والسامرة”، مستعملا التسمية الإسرائيلية للضفة الغربية. وأضاف “لن يحرّف أي قرار كاذب في لاهاي هذه الحقيقة التاريخية، وكذلك لا يمكن الجدال في قانونية المستوطنات الإسرائيلية في كافة أنحاء وطننا”، وانتقد زعيم المعارضة الوسطي يائير لبيد قرار المحكمة ووصفه بأنه “منفصل وأحادي الجانب وملوث بمعاداة السامية ويفتقر إلى فهم الواقع على الأرض”.وقال سموترتش وزير المالية الإسرائيلي “يجب فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية الآن”، ومن جانبه قال ايتمار بن غفير وزير الأمن القومي الإسرائيلي” المحكمة معادية للسامية ولن نقبل منها مواعظ أخلاقية ويجب فرض السيادة على الضفة الغربية الآن.” وقالت أوريت ستروك وزيرة الاستيطان الإسرائيلية “الرد يجب أن يكون عبر فرض السيادة على الضفة الغربية” وقال يولي أدليشتاين / رئيس لجنة الخارجية والأمن بالكنيست:”إسرائيل ليست دولة احتلال ولها حق كامل في السيادة على أراضيها.” وقال يسرائيل كاتس وزير الخارجية الإسرائيلي “إن الرأي الاستشاري مشوه في الأساس، وأحادي الجانب، وخاطئ و يتجاهل الماضي و الحقوق التاريخية للشعب اليهودي في أرض إسرائيل، و إنه منفصل عن الحاضر عن الواقع على الأرض ومن التهديدات الأمنية لإسرائيل ومن أعظم مذبحة لليهود منذ المحرقة ومن هجمات حماس وإيران وعناصرإرهابية أخرى على سبع جبهات ومن حاجة إسرائيل للدفاع عن أراضيها ومواطنيها. كما أنه خطير على المستقبل ؛ فهو يصب في مصلحة المتطرفين ويشجع السلطة الفلسطينية على الاستمرار في طريق التشهير الذي لا أساس له.إن دولة إسرائيل تلتزم بسيادة القانون وتلتزم بالقانون الدولي وستواصل القيام بكل ما هو ضروري لحماية مواطنيها وفقا للقانون الدولي.وعلق جلعاد أردان مندوب إسرائيل لدى الأمم المتحدة” القرار المشوه وغير الأخلاقي الصادر عن العدل الدولية ينضاف إلى سلسلة طويلة من قرارات الأمم المتحدة ووكالاتها ضد إسرائيل. وهو غير ملزم وسنعمل من أجل إفراغه من مضمونه، وضمان ألا تكون له تبعات على الأرض، وعلينا اتخاذ خطوات غير مسبوقة ضد الأمم المتحدة مثل إغلاق مقرها في القدس وإبعاد ممثلي وكالاتها في إسرائيل.
قرار المحكمة يهدم السردية التوراتية “الأرض الموعودة” ويسقط “وعد بلفور”:
إن قرار محكمة العدل الدولية أكد على أن الضفة الغربية ما يُعرف لدى إسرائيل ب ” يهودا والسامرة” أنها أراضي فلسطينية محتلة وأنها ملك للشعب الفلسطيني وأن إسرائيل قوة احتلال، وبالتالي هدم قرار المحكمة السردية التوراتية “الأرض الموعودة” أو” أرض الميعاد” التي استخدمتها الصهيونية لتأجيج الحماسة الدينية لدى اليهود للهجررة إلى فلسطين انطلاقاً من الإدعاءات التوراتية أن أرض فلسطين ملك لليهود وحدهم وأنها الأرض التي وعد الله بها في البدء إلى نبيه إبراهيم، وتجدد العهد بعد ذلك إلى إبنه إسحاق، وإلى يعقوب” إسرائيل” ابن إسحاق وحفيد إبراهيم، كما هدم قرار المحكمة مقولة ” القدس عاصمة موحدة وأبدية لإسرائيل” وأكد أن القدس الشرقية أراضي فلسطينية مختلة وهي ملك للشعب الفلسطيني، وبالتالي يكون قرار المحكمة قد أسقط “وعد بلفور” الذي زعم وجود صلة تاريخية بين اليهود وأرض فلسطين باعتبارها أرض الميعاد.وما يؤكد أن قرار المحكمة هدم السردية التوراتية هو ردة الفعل العنيفة والسريعة من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهوالذي قال” إن محكمة العدل الدولية اتخذت قرارا كاذباً عندما قضت بأن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية غير قانوني ، وأن الشعب اليهودي ليس بمحتل في أرضه – لا في عاصمتنا الأبدية القدس ولا في إرث أجدادنا يهودا والسامرة”، مستعملا التسمية الإسرائيلية للضفة الغربية، وأضاف نتنياهو “لن يحرّف أي قرار كاذب في لاهاي هذه الحقيقة التاريخية، وكذلك لا يمكن الجدال في قانونية المستوطنات الإسرائيلية في كافة أنحاء وطننا وكذلك ما قاله يسرائيل كاتس وزير الخارجية الإسرائيلي “إن الرأي الاستشاري مشوه في الأساس، وأحادي الجانب، وخاطئ و يتجاهل الماضي و الحقوق التاريخية للشعب اليهودي في أرض إسرائيل.
هل قرار المحكمة ملزم؟
إن الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية غير ملزم ، ولكنه بات الآن حقيقة قانونية لا يمكن دحضها، ويترتب عليه آثار قانونية”، ويمكن القول أنه ملزم بشكل غير مباشر كونه يستند إلى القانون الدولي، والذي يعتبر ملزماً لكافة الدول في علاقاتها مع إسرائيل والمشاركة بالانتهاكات، وهو ما يمكن استثماره في حال مصادقة الجمعية العامة للأمم المتحدة على الرأس الاستشاري، من خلال قرارات مفصلة للرأي الاستشاري، إلى جانب تفصيل خطوات عملية مطلوبة من منظمات دولية وأعضاء الأمم المتحدة ومجلس الأمن وغيرها، وإن هذا الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية له قيمة قانونية كبيرة وهامة جداً لأنه يوثق انتهاكات إسرائيل للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي العرفي وميثاق الأمم المتحدة، وإن الفتوى تعبير عن رأي القانون الدولي، وهي رسالة للمجتمع الدولي لتحميل اسرائيل المسؤولية الجنائية والقانونية وهذا يتيح للشعب الفلسطيني إقامة دولته المستقلة.
قرار المحكمة سيُسرِع من إصدار مذكرات الاعتقال ضد نتنياهو وغالانت :
في 20 مايو / أيار 2024 أعلن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان أنه قدّم طلبات الى المحكمة لاستصدار أوامر اعتقال بتهم ارتكاب جرائم حرب، وإبادة ضد الإنسانية، في ما يتعلق بالحرب في غزة وهجوم السابع من اكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وأشار إلى أنه “استنادا إلى الأدلة التي جمعها مكتبه وفحصها، لدي أسباب معقولة للاعتقاد أن نتنياهو وغالانت، يتحملان المسؤولية الجنائية عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتُكبت على أراضي دولة فلسطين اعتبارا من الثامن أكتوبر 2023 على الأقل”.وتشمل الجرائم، وفق المدعي العام، “تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب باعتباره جريمة حرب، وتعمد إحداث معاناة شديدة، أو إلحاق أذى خطير بالجسم أو بالصحة، والقتل العمد، وتعمد توجيه هجمات ضد السكان المدنيين باعتباره جريمة، والإبادة أو القتل العمد، والاضطهاد باعتباره جريمة ضد الإنسانية، وأفعالا لا إنسانية أخرى”.
وقد جاء قرار محكمة العدل الدولية كوثيقة قانونية تسرع في إصدار مذكرات الاعتقال ضد نتنياهو غالانت، فقد أكد قرار المحكمة في حيثياته على ارتكاب إسرائيل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية (الاستيطان وإبعاد السكان او النقل القسري للسكان، وجريمة الاضطهاد ، وجريمة الفصل العنصري) وهي جرائم لا تسقط بالتقادم معاقب عليها بموجب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية 1998، ومن ناحية أخرى جاء قرار المحكمة كرد على طلب بريطانيا من المحكمة الجنائية الدولية عدم إصدار مذكرات الاعتقال والنظر في اختصاص المحكمة ذلك أن فتوى محكمة العدل الدولية أكدت أن غزة أراضي فلسطينية محتلة وبالتالي يكون من اختصاص المحكمة الجنائية الدولية نظر جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبت فيها.
القرار يساعد في إنشاء محكمة دولية جنائية خاصة بفلسطين:
إن هذا القرار يعتبر وثيقة فانونية يعطي دولة فلسطين الحق في اللجوء إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة (لن نذهب لمجلس الامن ونصطدم بالفيتو الأمريكي) للعمل على إنشاء محكمة جنائية دولية خاصة بفلسطين لمحاكمة مجرمي الحرب الاسرائليين العسكريين والمدنيين بما فيهم القادة السياسيين الإسرائيليين على جريمة الاستيطان ،وتستطيع الجمعية العامة أن تنشئ هذه المحكمة بأغلبية الأصوات بموجب سلطاتها في إنشاء أجهزة فرعية وفقاً للمادة (22) من الميثاق والجدير بالذكر أننا نستطيع تحقيق هذه الأغلبية بسهولة ، حيث أنه في مايو الماضي بأغلبية 143 صوت من أصل 193 دولة عضو في الأمم المتحدة قرار يدعم طلب فلسطين الحصول على عضوية كاملة في الأمم المتحدة.
المحامي وخبير القانون الدولي علي المسلوخي