وفي التفاصيل، إن قوة كوماندوس اسرائيلية (الشييطت 13) قامت بعملية إبرار بعد منتصف الليل في خراج بلدة انصارية الساحلية جنوب لبنان، واكتشفها مجاهدو المقاومة الاسلامية الذين كانوا بانتظارها.

وشكلت عملية أنصارية التي نفذها مجاهدو حزب الله في الخامس من أيلول من العام 1997، أحد أهم إنجازاته النوعية في مواجهة جيش الاحتلال الإسرائيلي.

تجاوزت العملية في أبعادها ونتائجها عدد القتلى الكبير من الجنود و الضباط الذين سقطوا من وحدة النخبة في سلاح البحرية وغيرها من الوحدات الخاصة، ما يفرض محاولة البحث عن جوانب أخُرى لا تقل أهمية بدءًا من سياقها العملي ومروراً برسائل امتناع حزب الله عن التباهي بانتصار استخباراتي نوعي مهّد لهذا الإنجاز. وانتهاءً بمسار تدرج اكتشاف جيش العدو أن جنوده قتلوا بعبوات نصبها حزب الله استنادا الى معلومات مسبقة، ولماذا ضاعت قيادة جيش العدو الاسرائيلي بين فرضيتين، أن كمين حزب الله، كان عرضيًا، أو جاء نتيجة معلومات مسبقة؟

‏كان تسلل قوة الكومندوس البحري الإسرائيلي، لتنفيذ عملية استهداف أحد كوادر حزب الله، جزءًا من تكتيك عملي انتهجته قيادة جيش العدو، بدأ مع الجنرال “عميرام ليفين” قيادة المنطقة الشمالية، باعتباره متخصصا في هذا المجال.

استند التكتيك الإسرائيلي إلى قناعة تبلورت لدى قادة العدو حول ضرورة مواجهة حزب الله بالتكتيك نفسه الذي يواجه فيه الجيش الإسرائيلي. وتوصلت قيادة العدو إلى هذه النتيجة بعد فشل كافة الخيارات السابقة في ردع حزب الله، منذ اغتيال الأمين العام لحزب الله السيد عباس الموسوي، إلى عملية تصفية الحساب عام 1993، ثم لاحقاً فشل عدوان عناقيد الغضب عام 1996، وفشل كافة الإجراءات الدفاعية والأمنية التي استطاع حزب الله تجاوزها وتنفيذ عمليات مؤلمة في عمق منطقة الاحتلال.

أطاحت عملية أنصارية بهذا التكتيك الإسرائيلي الجديد الذي راهنت “إسرائيل” على أنه سيؤدي إلى إضعاف حزب الله وإرباكه. ويعود ذلك إلى الصدمة التي تلقاها العدو بفعل الخسارة البشرية الكبيرة جدا من وحدة النخبة في سلاح البحرية، “شييطت – 13″، التي تشكل أحد أهم أذرع الجيش الإسرائيلي للعمليات الخاصة، الى جانب “سييرت متكال” وهي وحدة استطلاع هيئة الأركان العامة وغيرها من الوحدات الخاصة.

ومما رفع من منسوب قلق قادة العدو، الغموض الذي اعتمده حزب الله، فيما يتعلق ببعض تفاصيل العملية، خاصة وأنه لم يعلن في حينه عن كيفية اكتشافه لتسلل القوة العسكرية، رغم أن سماحة الأمين العام السيد حسن نصر الله أعلن في حينه أن المقاومة كانت بانتظار القوة الإسرائيلية. لكن نتيجة الثقة الكبيرة لقادة العدو بإجراءاتهم الأمنية، وصعوبة اعتراف الاستخبارات أن حزب الله استطاع أن يحدث خرقاً نوعياً بهذا المستوى كان من الطبيعي أن يتنكر هؤلاء لذلك في البداية. ولأن هذا النوع من العمليات الذي تنفذه وحدات النخبة، لا يعلم بها إلا عدد محدود من القيادات. نتيجة ذلك، تراوحت التقديرات لديهم في البداية بين كمين عَرَضي نفذه حزب الله إما من باب الاحتياط أو نتيجة تقديرات.. وبين اختراق استخباراتي نوعي (مستبعد) استطاع من خلاله حزب الله اكتشاف مسار القوة الإسرائيلية ونصب لها في الطريق كمائن عبوات..

يسجل لحزب الله بفعل صمته على الكثير من تفاصيل العملية، وما زال حتى الآن أيضا، أن عقله الاستراتيجي كان هو الغالب على أداء المقاومة، وتقديمه على أي إنجاز إعلامي تكتيكي ظرفي في حينه، رغم أنه كان يستطيع من خلالها حسم الكثير من الأمور في حينه… على هذه الخلفية، أخفى حزب الله في حينه نجاحه في اختراق الطائرات المسيرة خلال فترة الاحتلال، وبقي هذا الأمر خافيًا طوال السنوات التي تلت وحتى في مرحلة ما بعد التحرير، إلى أن اضطر للكشف عنه في سياق آخر، في العام 2010، أي بعد مضي 13 عاما من تنفيذ العملية. ولولا التطورات الداخلية التي دفعت قيادة حزب الله الى الكشف عن هذا السر، لبقي حتى الآن طي الكتمان. بل من المؤكد أن هناك العديد من الجوانب والتفاصيل الأخرى السرية، المتصلة بهذه العملية بالذات، لم يتم الإفصاح عنها حتى الان، مع أن الكشف عنها سوف يساهم أيضا في تسليط الضوء على المزيد من إبداعات حزب الله.

من دون الحاجة الى معلومات تفصيلية محددة، يمكن التأكيد على أن الإبداع الاستثنائي الذي سجله حزب الله واستطاع من خلاله تنفيذ عملية انصارية، لم يكن وحيدا. ويكفي استعراض قائمة الإنجازات النوعية التي سجلها خلال فترة احتدام المواجهة مع جيش العدو خلال السنوات الفاصلة بين عامي 1991، والعام 2000، كمؤشر على وجود هذا النوع من الإنجازات الإبداعية، لكنها بقيت طي الكتمان، التزاما بتعليمات قيادة حزب الله.

في السياق نفسه، ليس من الصعوبة التقدير أن نجاح حزب الله في اختراق الطائرات المسيرة في حينه، لم تقتصر نتائجه على عملية انصارية، بل من المرجح أنه تم توظيفها في غير مجال… ويمكن اطلاق العنان للخيال والتقدير لاستنتاج مجالات توظيفه وحجم الانجازات التي يقدر أنه حققها من خلالها.

المصدر: موقع العهد / موقع قناة المنار